Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 3-4)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولهم { لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } نفي للبعث وإنكار لمجيء الساعة . أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية ، كقولهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } يونس 48 ، الأنبياء 38 . أوجب ما بعد النفي ببلى على المعنى أن ليس الأمر إلا إتيانها ، ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد ، وهو التوكيد باليمين بالله عزّ وجلّ ، ثم أمد التوكيد القسمي إمداداً بما أتبع المقسم به من الوصف بما وصف به ، إلى قوله { لِّيَجْزِىَ } لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوّة حال المقسم عليه وشدّة ثباته واستقامته ، لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر ، وكلما كان المستشهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة ، كانت الشهادة أقوى وآكد ، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ . فإن قلت هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى ؟ قلت نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب ، وأدخلها في الخفية ، وأوّلها مسارعة إلى القلب إذا قيل عالم الغيب ، فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة ، وأنه كائن لا محالة ، ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب ، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات ، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة ، فجاء ما تطلبه من وجه الاختصاص مجيئاً واضحاً . فإن قلت الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه ، فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم ، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذباً كيف تكون مصححة لما أنكروه ؟ قلت هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة البينة الساطعة وهي قوله { لِّيَجْزِىَ } فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء ، وأن المحسن لا بدّ له من ثواب ، والمسيء لا بدّ له من عقاب . وقوله { لِّيَجْزِىَ } متصل بقوله { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } تعليلاً له . قرىء « لتأتينكم » بالتاء والياء . ووجه من قرأ بالياء أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم . أو يسندإلى عالم الغيب ، أي ليأتينكم أمره كما قال تعالى { هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } الأنعام 158 وقال { أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ } النحل 33 . وقرىء « عالم الغيب » و « علام الغيب » بالجرّ ، صفة لربي . وعالم الغيب ، وعالم الغيوب بالرفع ، على المدح . ولا يعزب بالضم والكسر في الزاي ، من العزوب وهو البعد . يقال روض عزيب بعيد من الناس { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } مقدار أصغر نملة { ذٰلِكَ } إشارة إلى مثقال ذرّة . وقرىء « ولا أصغر من ذلك ولا أكبر » . بالرفع على أصل الابتداء . وبالفتح على نفي الجنس ، كقولك لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، بالرفع والنصب . وهو كلام منقطع عما قبله . فإن قلت هل يصحّ عطف المرفوع على مثقال ذرّة ، كأنه قيل لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة ، لا لتأكيد النفي . وعطف المفتوح على ذرّة بأنه فتح في موضع الجرّ لامتناع الصرف ، كأنه قيل لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر ؟ قلت يأبى ذلك حرف الاستثناء ، إلاّ إذا جعلت الضمير في { عَنْهُ } للغيب . وجعلت { ٱلْغَيْبَ } اسماً للخفيات . قبل أن تكتب في اللوح لأنّ إثباتها في اللوح من البروز عن الحجاب ، على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ، ولا يزل عنه إلاّ مسطوراً في اللوح .