Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 52-54)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ءَامَنَّا بِهِ } بمحمد صلى الله عليه وسلم لمرور ذكره في قوله { مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ } والتناوش والتناول أخوان إلاّ أنّ التناوش تناول سهل لشيء قريب ، يقال ناشه ينوشه ، وتناوشه القوم . ويقال تناوشوا في الحرب ناش بعضهم بعضاً . وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة ، كما يتناوله الآخر من قيس مقدار ذراع تناولاً سهلاً لا تعب فيه . وقرىء « التناؤش » همزت الواو المضمومة كما همزت في أجؤه وأدؤر وعن أبي عمرو التناوش بالهمز التناول من بعد من قولهم نأشت إذا أبطأت وتأخرت . ومنه البيت @ تَمَنَّى نَئِيشاً أَنّ يَكُونَ أَطَاعَنِي @@ أي أخيراً { وَيَقْذِفُونَ } معطوف على قد كفروا ، على حكاية الحال الماضية ، يعني وكانوا يتكلمون { بِٱلْغَيْبِ } ويأتون به { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } وهو قولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر ، ساحر ، كذاب . وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي ، لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً ، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله ، لأن أبعد شيء مما جاء به الشعر والسحر ، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور قرىء « ويقذفون بالغيب » ، على البناء للمفعول ، أي يأتيهم به شياطينهم ويلقنوهم إياه ، وإن شئت فعلقه بقوله { وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ } على أنه مثلهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة ، وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه ، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه شاحطاً ، والغيب الشيء الغائب ، ويجوز أن يكون الضمير للعذاب الشديد في قوله { بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيد } سبأ 46 وكانوا يقولون وما نحن بمعذبين ، إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ، ونحن أكرم على الله من أن يعذّبنا ، قائسين أمر الآخرة على أمر الدنيا فهذا كان قذفهم بالغيب ، وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف { مَّا يَشْتَهُونَ } من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة . أو من الردّ إلى الدنيا ، كما حكى عنهم { ارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } السجدة 12 . { بِأَشْيَـٰعِهِم } بأشباههم من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم { مُرِيبٍ } إما من أرابه ، إذا أوقعه في الريبة والتهمة . أو من أراب الرجل ، إذا صار ذا ريبة ودخل فيها ، وكلاهما مجاز إلاّ أنّ بينهما فريقاً وهو أن المريب من الأول منقول ممن يصحّ أن يكون مريباً من الأعيان إلى المعنى ، والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك ، كما تقول شعر شاعر . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 916 " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ سَبإٍ لَمْ يَبْقَ رسولٌ ولا نَبِيٌّ إلاّ كانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفِيقاً ومُصَافِحاً " .