Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 28-29)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ، ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من جنود السماء ، كما فعل يوم بدر والخندق ، فإن قلت وما معنى قوله { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } ؟ قلت معناه وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء ، وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون البعض ، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة . ألا ترى إلى قوله تعالى { فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ومِنْهُمْ وَمِنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } العنكبوت 40 . فإن قلت فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ؟ قال تعالى { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } الأحزاب 9 ، { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰۤـئِكَةِ مُرْدِفِينَ } الأنفال 9 ، { بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } آل عمران 124 ، { بِخَمْسَةِ ءالَٰفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُسَوّمِينَ } آل عمران 125 ؟ قلت إنما كان يكفي ملك واحد ، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل ، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة منه ، ولكن الله فضَّل محمداً صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل ، فضلاً عن حبيب النجار ، وأولاهُ من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحداً فمن ذلك أنه أنزل له جنوداً من السماء وكأنه أشار بقوله { وَمَا أَنزَلْنَا } { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلاّ مثلك ، وما كنا نفعله بغيرك « إن كانت إلاّ صيحة واحدة » إن كانت الأخذة أو العقوبة إلاّ صيحة واحدة . وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع على كان التامة ، أي ما وقعت إلاّ صيحة ، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل لأنّ المعنى ما وقع شيء إلاّ صيحة ، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل ، ومثلها قراءة الحسن « فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم » وبيت ذي الرمّة @ وَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الضُّلُوعُ الْجَرَاشِعُ @@ وقرأ ابن مسعود « إلازقية واحدة » من زقا الطائر يزقو ويزقي ، إذا صاح . ومنه المثل أثقل من الزواقي { خَـٰمِدُونَ } خمدوا كما تخمد النار ، فتعود رماداً ، كما قال لبيد