Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 77-83)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قبح الله عزّ وجلّ إنكارهم البعث تقبيحاً لا ترى أعجب منه وأبلغ ، ودلّ على تمادي كفر الإنسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادي ، وتوغله في الخسّة وتغلغله في القحة ، حيث قرره بأن عنصره الذي خلقه منه هو أخسّ شيء وأمهنه ، وهو النطفة المذرة الخارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة ، ثم عجب من حاله بأن يتصدّى مثله على مهانة أصله ودناءة أوّله لمخاصمة الجبار ، وشرز صفحته لمجادلته ، ويركب متن الباطل ويلج ، ويمحك ويقول من يقدر على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه ، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به ، وهو كونه منشأ من موات ، وهو ينكر إنشاءه من موات ، وهي المكابرة التي لا مطمح وراءها ، وروى 942 أن جماعة من كفار قريش منهم أبيّ بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك ، فقال لهم أبيّ ألا ترون إلى ما يقول محمد ، إنّ الله يبعث الأموات ، ثم قال واللات والعزّى لأصيرنّ إليه ولأخصمنه ، وأخذ عظماً بالياً فجعل يفته بيده وهو يقول يا محمد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ ، قال صلى الله عليه وسلم " نعم ويبعثك ويدخلك جهنم " وقيل معنى قوله { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } فإذا هو بعد ما كان ماء مهيناً رجل مميز منطيق قادر على الخصام ، مبين معرب عما في نفسه فصيح ، كما قال تعالى { أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } الزخرف 18 . فإن قلت لم سمى قوله { مَن يُحىِ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ } مثلاً ؟ قلت لما دلّ عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهي إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى . أو لما فيه من التشبيه ، لأن ما أنكر من قبيل ما يوصف الله بالقدرة عليه ، بدليل النشأة الأولى ، فإذا قيل من يحيي العظام على طريق الإنكار لأن يكون ذلك مما يوصف الله تعالى بكونه قادراً عليه ، كان تعجيزاً لله وتشبيهاً له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه . والرميم اسم لما بلي من العظام غير صفة ، كالرمة والرفات ، فلا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث ؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها . وأما أصحاب أبي حنيفة فهي عندهم طاهرة ، وكذلك الشعر والعصب ، ويزعمون أنّ الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت ، ويقولون المراد بإحياء العظام في الآية ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حيّ حساس { وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } يعلم كيف يخلق ، لا يتعاظمه شيء من خلق المنشآت والمعادات ومن أجناسها وأنواعها وجلائلها ودقائقها . ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر ، مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي يوري بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار ، وفي أمثالهم في كل شجر نار . واستمجد المرخ والعفار ، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان ، يفطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر ، على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب . قالوا ولذلك تتخذ منه كذينقات القصارين . قرىء « الأخضر » على اللفظ . وقرىء « الخضراء » على المعنى ونحوه قوله تعالى { مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } الواقعة 54 . من قدر على خلق السمٰوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسي أقدر ، وفي معناه قوله تعالى { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } غافر 57 . وقرىء « يقدر » وقوله { أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } يحتمل معنيين أن يخلق مثلهم في الصغر والقماءة بالإضافة إلى السمٰوات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به { وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ } الكثير المخلوقات { ٱلْعَلِيمُ } الكثير المعلومات . وقرىء « الخالق » { إِنَّمَا أَمْرُهُ } إنما شأنه { إِذَا أَرَادَ شَيْئاً } إذا دعاه داعي حكمة إلى تكوينه ولا صارف { أَن يَقُولَ لَهُ كُن } أن يكونه من غير توقف { فَيَكُونُ } فيحدث ، أي فهو كائن موجود لا محالة . فإن قلت ما حقيقة قوله { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ؟ قلت هو مجاز من الكلام وتمثيل ، لأنه لا يمتنع عليه شيء من المكونات ، وأنه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع . فإن قلت فما وجه القراءتين في فيكون ؟ قلت أما الرفع فلأنها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها فهو يكون ، معطوفة على مثلها ، وهي أمره أن يقول له كن . وأما النصب فللعطف على يقول ، والمعنى أنه لا يجوز عليه شيء مما يجوز على الأجسام إذا فعلت شيئاً مما تقدر عليه ، من المباشرة بمحال القدرة ، واستعمال الآلات ، وما يتبع ذلك من المشقة والتعب واللغوب إنما أمره وهو القادر العالم لذاته أن يخلص داعيه إلى الفعل ، فيتكون فمثله كيف يعجز عن مقدور حتى يعجز عن الإعادة ؟ { فَسُبْحَـٰنَ } تنزيه له مما وصفه به المشركون ، وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا { بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء } هو مالك كل شيء والمتصرف فيه بمواجب مشيئته وقضايا حكمته . وقرىء « ملكة كل شيء » وملك كل شيء . والمعنى واحد { تُرْجَعُونَ } بضم التاء وفتحها . وعن ابن عباس رضي الله عنهما كنت لا أعلم ما روي في فضائل يۤس وقراءتها كيف خصت ، بذلك ، فإذا أنه لهذه الآية . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 943 " إنّ لكل شيء قلباً ، وإن قلب القرآن يۤس ، من قرأ يۤس يريد بها وجه الله ، غفر الله تعالى له ، وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة ، وأيما مسلم قرىء عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يۤس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً يصلون عليه ويستغفرون له ، ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه ، وأيما مسلم قرأ يۤس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يحييه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة يشربها وهو على فراشه ، فيقبض ملك الموت روحه وهو ريان ، ويمكث في قبره وهو ريان ، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان " وقال عليه الصلاة والسلام 944 " إن في القرآن سورة يشفع لقارئها ويغفر لمستمعها ألا وهي سورة يۤس " .