Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَدَّم الاستغفار على استيهاب الملك جرياً على عادة الأنبياء والصالحين في تقديمهم أمر دينهم على أمور دنياهم { لاَّ يَنبَغِى } لا يتسهل ولا يكون . ومعنى { مِن بَعْدِى } من دوني . فإن قلت أما يشبه الحسد والحرص على الاستبداد بالنعمة أن يستعطي الله ما لا يعطيه غيره ؟ قلت كان سليمان عليه السلام ناشئاً في بيت الملك والنبوّة ووارثاً لهما ، فأراد أن يطلب من ربه معجزة ، فطلب على حسب ألفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حدّ الإعجاز ، ليكون ذلك دليلاً على نبوّته قاهراً للمبعوث إليهم ، وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات ، فذلك معنى قوله { لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ مّن بَعْدِى } وقيل كان ملكاً عظيماً ، فخاف أن يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله فيه ، كما قالت الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } البقرة 30 وقيل ملكاً لا أسلبه ولا يقوم غيري فيه مقامي ، كما سلبته مرّة وأقيم مقامي غيري . ويجوز أن يقال علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين ، وعلم أنه لا يضطلع بأعبائه غيره ، وأوجبت الحكمة استيهابه ، فأمره أن يستوهبه إياه ، فاستوهبه بأمر من الله على الصفة الذي علم الله أنه لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده . أو أراد أن يقول ملكاً عظيماً فقال { لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ مّن بَعْدِى } ، ولم يقصد بذلك إلا عظم الملك وسعته ، كما تقول لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال ، وربما كان للناس أمثال ذلك ، ولكنك تريد تعظيم ما عنده . وعن الحجاج أنه قيل له إنك حسود ، فقال أحسد مني من قال { وهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ مّن بَعْدِى } وهذا من جرأته على الله وشيطنته ، كما حكى عنه طاعتنا أوجب من طاعة الله ، لأنه شرط من طاعته فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } التغابن 16 وأطلق طاعتنا فقال { وَأُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } النساء 59 .