Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَيُّوبَ } عطف بيان . و { إِذْ } بدل اشتمال منه { أَنّى مَسَّنِىَ } بأني مسني حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه ، ولو لم يحك لقال بأنه مسّه لأنه غائب . وقرىء « بنصب » بضم النون وفتحها مع سكون الصاد ، وبفتحهما ، وضمهما ، فالنصب والنصب كالرشد الرشد ، والنصب على أصل المصدر ، والنصب تثقيل نصب ، والمعنى واحد ، وهو التعب والمشقة . والعذاب الألم ، يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب . وقيل الضرّ في البدن ، والعذاب في ذهاب الأهل والمال . فإن قلت لم نسبه إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه ليقضي من إِتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرّر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب ؟ قلت لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب ، نسبه إليه ، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه ، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو . وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ، ويغريه على الكراهة والجزع ، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء ، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل . وروى أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين ، فارتد أحدهم ، فسأل عنه فقيل ألقى إليه الشيطان إن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، وذكر في سبب بلائه أنّ رجلاً استغاثه على ظالم فلم يغثه . وقيل كانت مواشيه في ناحية ملك كافر ، فداهنه ولم يغزه . وقيل أعجب بكثرة ماله { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام ، أي اضرب برجلك الأرض . وعن قتادة هي أرض الجابية فضربها ، فنبعت عين فقيل { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } أي هذا ماء تغتسل به وتشرب منه ، فيبرأ باطنك وظاهرك ، وتنقلب ما بك قلبة . وقيل نبعت له عينان ، فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى ، فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله ، وقيل ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ، ثم باليسرى فنبعت باردة فشرب منها { رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَىٰ } مفعول لهما . والمعنى أنّ الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب ، لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره ، رغبهم في الصبر على البلاء وعاقبة الصابرين وما يفعل الله بهم { وَخُذْ } معطوف على اركض . والضغث الحزمة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك . وعن ابن عباس قبضة من الشجر ، كان حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مائة إذا برأ ، فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها ، وهذه الرخصة باقية . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 960 أنه أتى بمخدج ، وقد خبث بأمة ، فقال " خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة " ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة ، إمّا أطرافها قائمة ، وإما أعراضها مبسوطة مع وجود صورة الضرب ، وكان السبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة فحرج صدره ، وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب إذا قام . وقيل قال لها الشيطان اسجدي لي سجدة فأردّ عليكم مالكم وأولادكم ، فهمت بذلك فأدركتها العصمة ، فذكرت ذلك له ، فحلف . وقيل أوهمها الشيطان أن أيوب إذا شرب الخمر برأ ، فعرضت له بذلك . وقيل سألته أن يقرب للشيطان بعناق { وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً } علمناه صابراً . فإن قلت كيف وجده صابراً وقد شكا إليه ما به واسترحمه ؟ قلت الشكوى إلى الله عزّ وعلا لا تسمى جزعاً ، ولقد قال يعقوب عليه السلام { إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ } يوسف 86 وكذلك شكوى العليل إلى الطبيب ، وذلك أن أصبر الناس على البلاء لا يخلو من تمني العافية وطلبها ، فإذا صحّ أن يسمى صابراً مع تمني العافية وطلب الشفاء ، فليسم صابراً مع اللجإ إلى الله تعالى ، والدعاء بكشف ما به ومع التعالج ومشاورة الأطباء ، على أن أيوب عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة ، حيث كان الشيطان يوسوس إليهم كما كان يوسوس إليه أنه لو كان نبياً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به ، وإرادة القوة على الطاعة ، فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلاّ القلب واللسان . ويروى أنه قال في مناجاته إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يهبني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلاّ ومعي يتيم ، ولم أبت شبعان ولا كاسياً ومعي جائع أو عريان فكشف الله عنه .