Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 11-15)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ } بإخلاص الدين { وَأُمِرْتُ } بذلك { ل } أجل { لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة ، ولمعنى أنّ الإخلاص له السبقة في الدين ، فمن أخلص كان سابقاً . فإن قلت كيف عطف { أُمِرْتُ } على { أُمِرْتُ } وهما واحد ؟ قلت ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما ، وذلك أنّ الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء ، والأمر به ليحرز القائم به قصب السبق في الدين شيء ، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين ولك أن تجعل اللام مزيدة مثلها في أردت لأن أفعل ، ولا تزاد إلا مع أن خاصة دون الاسم الصريح ، كأنها زيدت عوضاً من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه ، كما عوّض السين في اسطاع عوضاً من ترك الأصل الذي هو أطوع ، والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يونس 72 ، { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يونس 104 ، { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } الأنعام 14 وفي معناه أوجه أن أكون أوّل من أسلم في زماني ومن قومي ، لأنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها ، وأن أكون أوّل الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاماً . وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره ، لأكون مقتدى بي في قولي وفعلي جميعاً ، ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون ، وأن أفعل ما أستحق به الأوّلية من أعمال السابقين دلالة على السبب بالمسبب يعني أن الله أمرني أن أخلص له الدين من الشرك والرياء وكلّ شوب ، بدليل العقل والوحي . فإن عصيت ربي بمخالفة الدليلين ، استوجبت عذابه فلا أعصيه ولا أتابع أمركم ، وذلك حين دعوه إلى دين آبائه . فإن قلت ما معنى التكرير في قوله { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينَ } وقوله { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } قلت ليس بتكرير لأنّ الأوّل إخبار بأنه مأمور من جهة الله بإحداث العبادة والإخلاص . والثاني إخبار بأنه يختص الله وحده دون غيره بعبادته مخلصاً له دينه ، ولدلالته على ذلك قدّم المعبود على فعل العبادة وأخره في الأوّل فالكلام أوّلاً واقع في الفعل نفسه ، وإيجاده ، وثانياً فيمن يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ } والمراد بهذا الأمر الوارد على وجه التخيير المبالغة في الخذلان والتخلية ، على ما حققت فيه القول مرتين . قل إنّ الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه هم { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } لوقوعها في هلكة لا هلكة بعدها و خسروا { وأَهْلِيهِمْ } لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده إليهم . وقيل وخسروهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة ، يعني وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا ، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله { أَلاَ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } حيث استأنف الجملة وصدرها بحرف التنبيه ، ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر ، وعرف الخسران ونعته بالمبين .