Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } قرىء بالرفع على أنه مبتدأ أخبر عنه بالظرف . أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل ، كما تقول نزل من عند الله . أو غير صلة ، كقولك هذا الكتاب من فلان إلى فلان ، فهو على هذا خبر بعد خبر . أو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره هذا تنزيل الكتاب ، هذا من الله ، أو حال من التنزيل عمل فيها معنى الإشارة ، وبالنصب على إضمار فعل ، نحو اقرأ ، والزم . فإن قلت ما المراد بالكتاب ؟ قلت الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن ، وعلى الثاني أنه السورة { مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينِ } ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر . وقرىء « الدين » بالرفع . وحق من رفعه أن يقرأ مخلصاً - بفتح اللام - كقوله تعالى { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } النساء 146 حتى يطابق قوله { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ } والخالص والمخلص واحد ، إلاّ أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي . كقولهم شعر شاعر ، وأما من جعل { مُخْلِصاً } حالاً من العابد ، و { لَّهُ ٱلدّينِ } مبتدأ وخبراً ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك لله الدين { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ } أي هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر ، لاطلاعه على الغيوب والأسرار ، ولأنه الحقيق بذلك ، لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها . وعن قتادة الدين الخالص شهادة أن لا إلــٰه إلا الله . وعن الحسن الإسلام { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } يحتمل المتخذين وهم الكفرة ، والمتخذين ، وهم الملائكة وعيسى واللات والعزّى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فالضمير في { ٱتَّخَذُواْ } على الأوّل راجع إلى الذين ، وعلى الثاني إلى المشركين ، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوماً ، والراجع إلى الذين محذوف والمعنى والذين اتخذهم المشركون أولياء ، { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } في موضع الرفع على الابتداء . فإن قلت فالخبر ما هو ؟ قلت هو على الأوّل إما { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أو ما أضمر من القول قبل قوله { مَا نَعْبُدُهُمْ } . وعلى الثاني أن الله يحكم بينهم . فإن قلت فإذا كان { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } الخبر ، فما موضع القول المضمر ؟ قلت يجوز أن يكون في موضع الحال ، أي قائلين ذلك . ويجوز أن يكون بدلاً من الصلة فلا يكون له محلّ ، كما أنّ المبدل منه كذلك . وقرأ ابن مسعود بإظهار القول « قالوا ما نعبدهم » وفي قراءة أبيّ ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب ، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم . وقرىء « نعبدهم » بضم النون اتباعاً للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر ، والتنوين في { عَذَاب ٱرْكُضْ } والضمير في { بَيْنَهُمْ } لهم ولأوليائهم . والمعنى أن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة ، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم . واختلافهم أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون ، وأولئك يعادونهم ويلعنونهم ، وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى . وقيل كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السمٰوات والأرض ، أقرّوا وقالوا الله ، فإذا قالوا لهم فما لكم تعبدون الأصنام ؟ قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فالضمير في { بَيْنَهُمْ } عائد إليهم وإلى المسلمين . والمعنى أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين ، والمراد بمنع الهداية منع اللطف تسجيلاً عليهم بأن لا لطف لهم ، وأنهم في علم الله من الهالكين . وقرىء « كذاب وكذوب » وكذبهم قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء بنات الله ، ولذلك عقبه محتجاً عليهم بقوله { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء } يعني لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصحّ ، لكونه محالاً ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضه ويختصمهم ويقربهم ، كما يختص الرجل ولده ويقربه . وقد فعل ذلك بالملائكة فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم ، فزعمتم أنهم أولاده ، جهلاً منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض ، كأنه قال لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه وهم الملائكة ، إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولاداً ، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعتلموهم بنات ، فكنتم كذابين كفارين متبالغين في الافتراء على الله وملائكته ، غالين في الكفر ، ثم قال { سُبْحَـٰنَهُ } فنزه ذاته عن أن يكون له أحد ما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء . ودلَّ على ذلك بما ينافيه ، وهو أنه واحد ، فلا يجوز أن يكون له صاحبة لأنه لو كانت له صاحبة لكانت من جنسه ولا جنس له وإذا لم يتأت أن يكون له صاحبة لم يتأت أن يكون له ولد ، وهو معنى قوله { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } الأنعام 101 . وقهار غلاب لكل شيء ، ومن الأشياء آلهتهم ، فهو يغلبهم ، فكيف يكونون له أولياء وشركاء ؟ .