Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } يعهد إليكم ويأمركم { فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } في شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة . وهذا إجمال تفصيله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلاْنْثَيَيْنِ } فإن قلت هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر قلت ليبدأ ببيان حظ الذكر لفضله ، كما ضوعف حظه لذلك ، ولأنّ قوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلاْنْثَيَيْنِ } قصد إلى بيان فضل الذكر . وقولك للأنثيين مثل حظ الذكر ، قصد إلى بيان نقص الأنثى ، وما كان قصداً إلى بيان فضله ، كان أدلّ على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ولأنهم كانوا يورّثون الذكور دون الإناث وهو السبب لورود الآية ، فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث ، فلا يتمادى في حظهن حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به . فإن قلت فإن حظ الأنثيين الثلثان ، فكأنّه قيل للذكر الثلثان . قلت أريد حال الاجتماع لا الانفراد أي إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان ، كما أن لهما سهمين . وأما في حال الانفراد ، فالابن يأخذ المال كله والبنتان يأخذان الثلثين . والدليل على أن الغرص حكم الاجتماع ، أنه أتبعه حكم الانفراد ، وهو قوله { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } والمعنى للذكر منهم ، أي من أولادكم ، فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم ، كقولهم السمن منوان بدرهم { فَإِن كُنَّ نِسَاءً } فإن كانت البنات أو المولودات نساء خلصاً . ليس معهن رجل يعني بنات ليس معهن ابن { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } يجوز أن يكون خبراً ثانياً لكان وأن يكون صفة لنساء أي نساء زائدات على اثنتين { وَإِن كَانَتْ وٰحِدَةً } وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها أخرى { فَلَهَا ٱلنّصْفُ } وقرىء « واحدةٌ » بالرفع على كان التامّة والقراءة بالنصب أوفق لقوله { فَإِن كُنَّ نِسَاءً } وقرأ زيد بن ثابت « النصف » بالضم . والضمير في { تَرَكَ } للميت لأنّ الآية لما كانت في الميراث ، علم أن التارك هو الميت . فإن قلت قوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد ، لا لبيان حظ الأنثيين ، فكيف صح أن يردف قوله { فَإِن كُنَّ نِسَاءً } وهو لبيان حظ الإناث ؟ قلت وإن كان مسوقاً لبيان حظ الذكر ، إلا أنه لما فقه منه وتبين حظ الأنثيين مع أخيهما كان كأنه مسوق للأمرين جميعاً . فلذلك صح أن يقال { فَإِن كُنَّ نِسَاءً } فإن قلت . هل يصح أن يكون الضميران في « كن » و « كانت » مبهمين ، ويكون « نساء » و « واحدة » تفسيراً لهما ، على أن كان تامة ؟ قلت لا أبعد ذلك . فإن قلت لم قيل { فَإِن كُنَّ نِسَاء } ولم يقل وإن كانت امرأة ؟ قلت لأنّ الغرض ثمة خلوصهن إناثاً لا ذكر فيهنّ ، ليميز بين ما ذكر من اجتماعهن مع الذكور في قوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } وبين انفرادهن . وأريد هٰهنا أن يميز بين كون البنت مع غيرها وبين كونها وحدها لا قرينة لها . فإن قلت قد ذكر حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت في حال الانفراد ، ولم يذكر حكم البنتين في حال الانفراد فما حكمهما ، وما باله لم يذكر ؟ قلت أما حكمهما فمختلف فيه ، فابن عباس أبى تنزيلهما منزلة الجماعة . لقوله تعالى { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } فأعطاهما حكم الواحدة وهو ظاهر مكشوف . وأما سائر الصحابة فقد أعطوهما حكم الجماعة ، والذي يعلل به قولهم أن قوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } قد دلّ على أن حكم الأنثيين حكم الذكر ، وذلك أن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة ، فالأنثيان كذلك يحوزان الثلثين ، فلما ذكر ما دلّ على حكم الأنثيين قيل { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } على معنى فإن كن جماعة بالغات ما بلغن من العدد فلهن ما للأنثيين وهو الثلثان لا يتجاوزنه لكثرتهن ليعلم أن حكم الجماعة حكم الثنتين بغير تفاوت . وقيل إن الثنتين أمس رحماً بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما أوجب الله للأختين . ولم يروا أن يقصروا بهما عن حظ من هو أبعد رحماً منهما . وقيل إن البنت لما وجب لها مع أخيها الثلث كانت أحرى أن يجب لها الثلث إذا كانت مع أخت مثلها . ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها أيضاً مع أخيها لو انفردت معه ، فوجب لهما الثلثان { وَلاِبَوَيْهِ } الضمير للميت . و { لِكُلّ وٰحِدٍ مّنْهُمَا } بدل من { ولأبويه } بتكرير العامل . وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس ، لكان ظاهره اشتراكهما فيه . ولو قيل ولأبويه السدسان ، لأوهم قسمة السدسين عليهما على التسوية وعلى خلافها . فإن قلت فهلا قيل ولكل واحد من أبويه السدس وأي فائدة في ذكر الأبوين أوّلاً ، ثم في الإبدال منهما ؟ قلت لأنّ في الإبدال والتفصيل بعد الإجمال تأكيداً وتشديداً ، كالذي تراه في الجمع بين المفسر والتفسير . والسدس مبتدأ . وخبره لأبويه . والبدل متوسط بينهما للبيان . وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة « السدس » بالتخفيف ، وكذلك الثلث والربع والثمن . والولد يقع على الذكر والأنثى ، ويختلف حكم الأب في ذلك . فإن كان ذكراً اقتصر بالأب على السدس ، وإن كانت أنثى عصب مع إعطاء السدس . فإن قلت قد بين حكم الأبوين في الإرث مع الولد ثم حكمهما مع عدمه ، فهلا قيل فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث . وأي فائدة في قوله { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } ؟ قلت معناه فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فحسب ، فلأمه الثلث مما ترك ، كما قال { لِكُلّ وٰحِدٍ مّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين ، كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج ، لا ثلث ما ترك ، إلا عند ابن عباس . والمعنى أن الأبوين إذا خلصا تقاسما الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن قلت ما العلة في أن كان لها ثلث ما بقي دون ثلث المال ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أنّ الزوج إنما استحق ما يسهم له بحق العقد لا بالقرابة . فأشبه الوصية في قسمة ما وراءه . والثاني أن الأب أقوى في الإرث من الأم ، بدليل أنه يضعف عليها إذا خلصا ويكون صاحب فرض وعصبة ، وجامعا بين الأمرين ، فلو ضرب لها الثلث كملاً لأدى إلى حط نصيبه عن نصيبها . ألا ترى أن امرأة لو تركت زوجاً وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب ، حازت الأم سهمين والأب سهماً واحداً ، فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِهِ ٱلسُّدُسُ } الإخوة يحجبون الأم عن الثلث وإن كانوا لا يرثون مع الأب ، فيكون لها السدس وللأب خمسة الأسداس ، ويستوي في الحجب الاثنان فصاعداً إلا عند ابن عباس . وعنه أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم . فإن قلت فكيف صحّ أن يتناول الإخوة الأخوين . والجمع خلاف التثنية ؟ قلت الإخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية ، والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية ، وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق ، فدل بالإخوة عليه . وقرىء « فلإمّه » ، بكسر الهمزة إتباعاً للجرّة ألا تراها لا تكسر في قوله { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً } المؤمنون 50 ، { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ } متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها ، لا بما يليه وحده ، كأنه قيل قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها . وقرىء « يوصى بها » بالتخفيف والتشديد . و « ويُوصى بها » على البناء للمفعول مخففاً . فإن قلت ما معنى أو ؟ قلت معناها الإباحة وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما ، قدم على قسمة الميراث ، كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين . فإن قلت لم قدّمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة ؟ قلت لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض ، كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها ، فكان أداؤها مظنة للتفريط ، بخلاف الدين فإنّ نفوسهم مطمئنة إلى أدائه ، فلذلك قدمت على الدين بعثاً على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين ، ولذلك جيء بكلمة « أو » للتسوية بينهما في الوجوب ، ثم أكد ذلك ورغب فيه بقوله { ءَابَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ } أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون ، أمن أوصى منهم أمن لم يوص ؟ يعني أن من أوصى ببعض ماله فعرّضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعاً وأحضر جدوى ممن ترك الوصية ، فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ، ذهاباً إلى حقيقة الأمر ، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلاً قريباً في الصورة ، إلا أنه فانٍ ، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى . وثواب الآخرة وإن كان آجلاً إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى . وقيل إن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع . وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه ، سأل أن يرفع إليه ابنه . فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعاً . وقيل قد فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة . ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع ، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة . وقيل الأب يجب عليه النفقة على الابن إذا احتاج ، وكذلك الابن إذا كان محتاجاً فهما في النفع بالنفقة لا يدري أيهما أقرب نفعاً . وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له ، لأن هذه الجملة اعتراضية . ومن حق الاعتراضي أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه ، والقول ما تقدم { فَرِيضَةً } نصبت نصب المصدر المؤكد ، أي فرض ذلك فرضاً { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } بمصالح خلقه { حَكِيماً } في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها .