Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 24-25)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } القراءة بفتح الصاد . وعن طلحة بن مصرف أنه قرأ بكسر الصاد . وهنّ ذوات الأزواج . لأنهنّ أحصنّ فروجهنّ بالتزويج . فهنّ محصنات ومحصنات { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } يريد ما ملكت أيمانهم من اللاتي سبين ولهنّ أزواج في دار الكفر فهنّ حلال لغزاة المسلمين وإن كنّ محصنات . وفي معناه قول الفرزدق @ وَذَاتُ حَلِيلٍ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلَّقِ @@ { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } مصدر مؤكد ، أي كتب الله ذلك عليكم كتاباً وفرضه فرضاً ، وهو تحريم ما حرّم . فإن قلت علام عطف قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ } ؟ قلت على الفعل المضمر الذي نصب { كتاب الله } أي كتب الله عليكم تحريم ذلك ، وأحلّ لكم ما وراء ذلكم . ويدل عليه قراءة اليماني « كتب الله عليكم » ، « وأحلّ لكم » . وروى عن اليماني كتب الله عليكم ، على الجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم . ومن قرأ « وأحلّ لكم » ، على البناء للمفعول ، فقد عطفه على حرمت . { أَن تَبْتَغُواْ } مفعول له بمعنى بين لكم ما يحلّ مما يحرم ، إرادة أن يكون ابتغاؤكم { بِأَمْوٰلِكُمْ } التي جعل الله لكم قياماً في حال كونكم { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ، ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين . والإحصان العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام ، والأموال المهور وما يخرج في المناكح . فإن قلت أين مفعول تبتغوا ؟ قلت يجوز أن يكون مقدّراً وهو النساء . والأجود أن لا يقدر ، وكأنه قيل أن تخرجوا أموالكم . ويجوز أن يكون { أن تبتغوا } بدلاً من { وراء ذلك } والمسافح الزاني ، من السفح وهو صبّ المنيّ . وكان الفاجر يقول للفاجرة سافحيني وماذيني من المذي { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهنّ { فآتوهن أجورهن } عليه ، فأسقط الراجع إلى ما لأنه لا يلبس ، كقوله { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُور } لقمان 17 بإسقاط منه . ويجوز أن تكون ما في معنى النساء ، ومن للتبعيض أو البيان ، ويرجع الضمير إليه على اللفظ في به ، وعلى المعنى في { فَـئَاتُوهُنَّ } وأجورهن مهورهن لأن المهر ثواب على البضع { فَرِيضَةً } حال من الأجور بمعنى مفروضة أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد . أي فرض ذلك فريضة { فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } فيما تحط عنه من المهر ، أو تهب له من كله أو يزيد لها على مقداره . وقيل فيما تراضيا به من مقام أو فراق وقيل نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم نسخت ، كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثوب أو غير ذلك ، ويقضي منها وطره ثم يسرحها . سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها . وعن عمر لا أوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلا رجمتهما بالحجارة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباحها ، ثم أصبح يقول 268 " يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة " ، وقيل أبيح مرتين وحرّم مرتين . وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى » . ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال اللَّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة ، وقولي في الصرف . الطول الفضل ، يقال لفلان على فلان طول أي زيادة وفضل . وقد طاله طولاً فهو طائل . قال @ لَقَدْ زَادَنِي حُبًّا لِنَفْسِي أَنَّنِي بَغِيضٌ إِلَى كُلِّ امْرِىءٍ غَيْرِ طَائِلِ @@ ومنه قولهم ما حلا منه بطائل ، أي بشيء يعتدّ به مما له فضل وخطر . ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه ، كما أن القصر قصور فيه ونقصان . والمعنى ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرّة فلينكح أَمَةً . قال ابن عباس من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الإماء وهو الظاهر ، وعليه مذهب الشافعي رحمه الله . وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فيقول الغنيّ والفقير سواء في جواز نكاح الأمة ، ويفسر الآية بأن من لم يملك فراش الحرّة ، على أن النكاح هو الوطء ، فله أن ينكح أمة . وفي رواية عن ابن عباس أنه قال ومما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وإن كان موسراً . وكذلك قوله { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } الظاهر أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ، وهو مذهب أهل الحجاز . وعند أهل العراق يجوز نكاحها ، ونكاح الأمة المؤمنة أفضل ، فحملوه على الفضل لا على الوجوب ، واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط بوصف الحرائر به ، مع علمنا أنه ليس بشرط فيهن على الاتفاق ، ولكنه أفضل . فإن قلت لم كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة ؟ قلت لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق ، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها ، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة ، والعزة من صفات المؤمنين . وقوله { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ } أي من فتيات المسلمين ، لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين . فإن قلت فما معنى قوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ } ؟ قلت معناه أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة ، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان ، لا يفضل حر عبداً إلا برجحان فيه { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } اشتراط لإذن الموالي في نكاحهن . ويحتج به لقول أبي حنيفة أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن ، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم . { وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ب ٱلْمَعْرُوفِ } وأدّوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز . فإن قلت الموالي هم ملاك مهورهن لا هن ، والواجب أداؤها إليهم لا إليهن ، فلم قيل وآتوهن ؟ قلت لأنهن وما في أيديهن مال الموالي ، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي . أو على أن أصله فآتوا مواليهن ، فحذف المضاف { ٱلْمُحْصَنَـٰتُ } عفائف . والأخدان الأخلاء في السرّ ، كأنه قيل غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له { فَإِذَا أُحْصِنَّ } بالتزويج . وقرىء « أحصن » { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } أي الحرائر { مّنَ ٱلْعَذَابِ } من الحدّ كقوله { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } النور 2 { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } النور 8 ولا رجم عليهن ، لأن الرجم لا يتنصف { ذٰلِكَ } إشارة إلى نكاح الإماء { لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ } لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة . وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم . وقيل أريد به الحدّ ، لأنه إذا هويها خشي أن يواقعها فيحدّ فيتزوجها { وَأَن تَصْبِرُواْ } في محل الرفع على الابتداء ، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين { خَيْرٌ لَّكُمْ } وعن النبي صلى الله عليه وسلم 269 " الحرائر صلاح البيت ، والإماء هلاك البيت " .