Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 46-46)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } بيان للذين أوتوا نصيباً من الكتاب لأنهم يهود ونصارى . وقوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ } ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض أو بيان لأعدائكم ، وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيراً ، أي ينصركم من الذين هادوا ، كقوله { وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } الأنبياء 77 ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ ، على أن { يُحَرِّفُونَ } صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون . كقوله @ وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْشَ أَكْدَحُ @@ أي فمنهما تارة أموت فيها { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره ، فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعها الله فيها ، وأزالوه عنها ، وذلك نحو تحريفهم أسمر ربعة عن موضعه في التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ، ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحدّ بدله فإن قلت كيف قيل هٰهنا عن مواضعه وفي المائدة { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } المائدة 41 قلت أمّا عن مواضعه فعلى ما فسرناه من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه . وأمّا { من بعد مواضعه } فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها ، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارّه ، والمعنيان متقاربان . وقرىء « يحرفون الكلام » . والكلم ـــ بكسر الكاف وسكون اللام ـــ جمع كلمة تخفيف كلمة . قولهم { غَيْرَ مُسْمَعٍ } حال من المخاطب ، أي اسمع وأنت غير مسمع ، وهو قول ذو وجهين ، يحتمل الذمّ أي اسمع منا مدعوا عليك ـــ بلا سمعت ـــ لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع ، فكان أصم غير مسمع . قالوا ذلك اتكالاً على أنّ قولهم ـــ لا سمعت ـــ دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه . ومعناه غير مسمع جواباً يوافقك ، فكأنك لم تسمع شيئاً . أو اسمع غير مسمع كلاماً ترضاه ، فسمعك عنه ناب . ويجوز على هذا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع ، أي اسمع كلاماً غير مسمع إياك ، لأن أذنك لا تعيه نبوًّا عنه . ويحتمل المدح ، أي اسمع غير مسمع مكروهاً ، من قولك أسمع فلان فلاناً إذا سبه . وكذلك قولهم { رٰعِنَا } يحتمل راعنا نكلمك ، أي ارقبنا وانتظرنا . ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها ، وهي راعينا ، فكانوا ـــ سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله عليه وسلم ـــ يكلمونه بكلام محتمل ، ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } فتلا بها وتحريفاً ، أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل ، حيث يضعون راعناً موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروهاً . أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقاً . فإن قلت كيف جاؤوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا ؟ قلت جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان . ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء . ويجوز أن يقولوه فيما بينهم . ويجوز أن لا ينطقوا بذلك ، ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم نطقوا به . وقرأ أبيّ « وأنظرنا » ، من الإنظار وهو الإمهال . فإن قلت إلام يرجع الضمير في قوله { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } قلت إلى أنهم قالوا لأن المعنى . ولو ثبت قولهم سمعنا وأطعنا . لكان قولهم ذلك خيراً لهم { وَأَقْوَمَ } وأعدل وأسدّ { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } أي خذلهم بسبب كفرهم ، وأبعدهم عن ألطافه { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ } إيماناً { قَلِيلاً } أي ضعيفاً ركيكاً لا يعبأ به ، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره ، أو أراد بالقلة العدم ، كقوله @ قَلِيلُ التَّشَكِّي لِلْمُهِمِّ يُصِيبُهُ @@ أي عديم التشكي ، أو إلا قليلاً منهم قد آمنوا .