Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف ، قبل البلوغ حتى إذا تبينتم منهم رشداً - أي هداية - دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حدّ البلوغ . وبلوغ النكاح . أن يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده ، ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد والتناسل . والإيناس الاستيضاح فاستعير للتبيين . واختلف في الابتلاء والرشد ، فالابتلاء عند أبي حنيفة وأصحابه أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى يستبين حاله فيما يجيء منه . والرشد التهدي إلى وجوه التصرف . وعن ابن عباس الصلاح في العقل والحفظ للمال . وعند مالك والشافعي الابتلاء أن يتتبع أحواله وتصرُّفه في الأخذ والإعطاء ، ويتبصر مخايله وميله إلى الدِّين . والرشد الصلاح في الدين ، لأن الفسق مفسدة للمال . فإن قلت فإن لم يؤنس منه رشد إلى حدّ البلوغ ؟ قلت عند أبي حنيفة رحمه الله ينتظر إلى خمس وعشرين سنة ، لأن مدة بلوغ الذكر عنده بالسنّ ثماني عشرة سنة ، فإذا زادت عليها سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير أحوال الإنسان لقوله عليه الصلاة و السلام 257 " مروهم بالصلاة لسبع " دفع إليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس . وعند أصحابه لا يدفع إليه أبداً إلا بإيناس الرشد . فإن قلت ما معنى تنكير الرشد ؟ قلت معناه نوعاً من الرشد وهو الرشد في التصرف والتجارة ، أو طرفاً من الرشد ومخيلة من مخايله حتى لا ينتظر به تمام الرشد . فإن قلت كيف نظم هذا الكلام ؟ قلت ما بعد { حَتَّىٰ } إلى { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } جعل غاية للابتلاء ، وهي « حتى » التي تقع بعدها الجمل . كالتي في قوله @ فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ @@ والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن إذا متضمنة معنى الشرط ، وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله { فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَ ٰلَهُمْ } جملة من شرط وجزاء واقعة جواباً للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح ، فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم ، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم . وقرأ ابن مسعود « فإن أحسيتم » بمعنى أحسستم قال @ أَحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إِلَيْه شُوسُ @@ وقرىء « رشداً » ، بفتحتين ، « ورشداً » ، بضمتين { إِسْرَافاً وَبِدَاراً } مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم ، تفرطون في إنفاقها ، وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا . ثم قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنياً وبين أن يكون فقيراً ، فالغني يستعف من أكلها ولا يطمع ، ويقتنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقاً على اليتيم ، وإبقاء على ماله . والفقير يأكل قوتاً مقدراً محتاطاً في تقديره على وجه الأجرة ، أو استقراضاً على ما في ذلك من الاختلاف ولفظ الأكل بالمعروف والاستعفاف ، مما يدل على أن للوصي حقاً لقيامه عليها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 258 أن رجلاً قال له إن في حجري يتيماً أفآكل من ماله ؟ قال " بالمعروف غير متأثل مالاً ولا واق مالك بماله فقال أفأضربه ؟ قال مما كنت ضارباً منه ولدك " وعن ابن عباس أنّ وليّ اليتيم قال له أفأشرب من لبن إبله ؟ قال إن كنت تبغي ضالتها ، وتلوط حوضها ، وتهنأ جرباها وتسقيها يوم وردها ، فاشرب غير مضرّ بنسل ، ولا ناهك في الحلب وعنه يضرب بيده مع أيديهم ، فليأكل بالمعروف ، ولا يلبس عمامة فما فوقها . وعن إبراهيم لا يلبس الكتان والحلل . ولكن ما سدّ الجوعة ووارى العورة . وعن محمد بن كعب يتقرّم تقرّم البهيمة وينزل نفسه منزلة الأجير فيما لا بدّ منه . وعن الشعبي يأكل من ماله بقدر ما يعين فيه . وعنه كالميتة يتناول عند الضرورة ويقضي . وعن مجاهد يستسلف ، فإذا أيسر أدّى . وعن سعيد بن جبير إن شاء شرب فضل اللبن وركب الظهر ولبس ما يستره من الثياب وأخذ القوت ولا يجاوزه فإن أيسر قضاه ، وإن أعسر فهو في حلّ . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ، وإذا أيسرت قضيت واستعف أبلغ من عف ، كأنه طالب زيادة العفة { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم ، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد وأدخل في الأمانة وبراءة الساحة . ألا ترى أنه إذا لم يشهد فادعى عليه صدق مع اليمين عند أبي حنيفة وأصحابه . وعند مالك والشافعي لا يصدّق إلا بالبينة ، فكان في الإشهاد الاستحراز من توجه الحلف المفضي إلى التهمة أو من وجوب الضمان إذا لم يقم البينة { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي كافياً في الشهادة عليكم بالدفع والقبض ، أو محاسباً . فعليكم بالتصادق ، وإياكم والتكاذب .