Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 7-9)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روي أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 978 " لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق الله من الملائكة ، فإن خلقاً من الملائكة يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى ، وقد مرق رأسه من سبع سمٰوات ، وأنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع " وفي الحديث 979 " إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا يروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " وقيل خلق الله العرش من جوهرة خضراء ، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام . وقيل حول العرش سبعون ألف صنف من الملائكة ، يطوفون به مهللين مكبرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام ، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر . وقرأ ابن عباس « العرش » بضم العين . فإن قلت ما فائدة قوله { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ولا يخفى على أحد أنّ حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم مؤمنون ؟ قلت فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله ، والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك ، وكما عقب أعمال الخير بقوله تعالى { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } البلد 17 فأبان بذلك فضل الإيمان . وفائدة أخرى وهي التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسمة ، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين ، ولما وصفوا بالإيمان لأنه إنما يوصف بالإيمان ، الغائب فلما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم ، علم أنّ إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في أنّ إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير ، وأنه لا طريق إلى معرفته إلاّ هذا ، وهو منزه عن صفات الإجرام . وقد روعي التناسب في قوله { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ، { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } كأنه قيل ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم . وفيه تنبيه على أنّ الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة ، وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن . فإنه لا تجالس بين ملك وإنسان ، ولا بين سماوي وأرضي قط ، ثم لما جاء الإيمان جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي ، حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض . قال الله تعالى { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلاْرْضِ } الشورى 5 . أي يقولون { رَبَّنَا } وهذا المضمر يحتمل أن يكون بياناً ليستغفرون مرفوع المحل مثله ، وأن يكون حالاً . فإن قلت تعالى الله عن المكان ، فكيف صحّ أن يقال وسع كل شيء ؟ قلت الرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى . والأصل وسع كل شيء رحمتك وعلمك ، ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم ، وأخرجا منصوبين على التمييز للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم ، كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء . فإن قلت قد ذكر الرحمة والعلم فوجب أن يكون ما بعد الفاء مشتملاً على حديثهما جميعاً ، وما ذكر إلاّ الغفران وحده ؟ قلت معناه فاغفر للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيلك . وسبيل الله سبيل الحق التي نهجها لعباده ودعا إليها { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي الملك الذي لا يغلب ، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئاً إلاّ بداعي الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك { وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أي العقوبات . أو جزاء السيئات . فحذف المضاف على أن السيئات هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها . والوقاية منها التكفير أو قبول التوبة . فإن قلت ما الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون موعودون المغفرة والله لا يخلف الميعاد ؟ قلت هذا بمنزلة الشفاعة ، وفائدته زيادة الكرامة والثواب . وقرىء « جنة عدن » « وصلَح » ، بضم اللام ، والفتح أفصح . يقال صلح فهو صالح ، وصلح فهو صليح ، و « ذريتهم » .