Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 9-12)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَئِنَّكُمْ } بهمزتين الثانية بين بين . و « ءائنكم » بألف وبين همزتين { ذَلِكَ } الذي قدر على خلق الأرض في مدة يومين . هو { رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } … رَوَاسِىَ جبالاً ثوابت . فإن قلت ما معنى قوله { مِنْ فَوْقِهَا } وهل اقتصر على قوله { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } كقوله تعالى { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } المرسلات 27 ، { وَجَعَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } الأنبياء 31 ، { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ } النمل 61 ؟ قلت لو كانت تحتها كالأساطين لها تستقر عليها ، أو مركوزة فيها كالمسامير لمنعت من الميدان أيضاً ، وإنما اختار إرساءها فوق الأرض ، لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها ، حاضرة محصليها ، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال ، كلها مفتقرة إلى ممسك لا بد لها منه ، وهو ممسكها عزّ وعلا بقدرته { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } وأكثر خيرها وأنماه { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم . وفي قراءة ابن مسعود . وقسم فيها أقواتها { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء } فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها ، كأنه قال كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان . قيل خلق الله الأرض في يوم الأحد ويوم الإثنين ، وما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء . وقال الزجاج في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام ، يريد بالتتمة اليومين . وقرىء « سواء » بالحركات الثلاث الجر على الوصف والنصب على استوت سواء ، أي استواء والرفع على هي سواء . فإن قلت بم تعلق قوله { لّلسَّائِلِينَ } ؟ قلت بمحذوف ، كأنه قيل هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها ؟ أو يقدر أي قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين . وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج . فإن قلت هلا قيل في يومين ؟ وأي فائدة في هذه الفذلكة ؟ قلت إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين ، علم أن ما فيها خلق في يومين ، فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء ، فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين ، وهي الدلالة على أنها كانت أياماً كاملة بغير زيادة ولا نقصان . ولو قال في يومين - وقد يطلق اليومان على أكثرهما - لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } من قولك استوى إلى مكان كذا ، إذا توجه إليه توجهاً لا يلوي على شيء ، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج ، ونحوه قولهم استقام إليه وامتد إليه . ومنه قوله تعالى { فَٱسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ } فصلت 6 والمعنى ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك . قيل كان عرشه قبل خلق السمٰوات والأرض على الماء ، فأخرج من الماء دخاناً ، فارتفع فوق الماء وعلا عليه ، فأيبس الماء فجعله أرضاً واحدة ، ثم فتقها فجعلها أرضين ، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع . ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ، ووجدتا كما أرادهما ، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الأمر المطاع ، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل . ويجوز أن يكون تخييلاً ويبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض وقال لهما ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه ، فقالتا أتينا على الطوع لا على الكره . والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب . ونحوه قول القائل قال الجدار للوتد لم تشقني ؟ قال الوتد اسأل من يدقني ، فلم يتركني ، ورائي الحجر الذي ورائي . فإن قلت لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان ، والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين ؟ قلت قد خلق جرم الأرض أو لا غير مدحوّة ، ثم دحاها بعد خلق السماء ، كما قال تعالى { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } النازعات 30 فالمعنى ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف ائتي يا أرض مدحوّة قراراً ومهاداً لأهلك ، وائتي يا سماء مقببة سقفاً لهم . ومعنى الإتيان الحصول والوقوع ، كما تقول أتى عمله مرضياً ، وجاء مقبولاً . ويجوز أن يكون المعنى لتأت كل واحدة منكما صاحبتها الإتيان الذي أريده وتقتضيه الحكمة والتدبير من كون الأرض قراراً للسماء ، وكون السماء سقفاً للأرض . وتنصره قراءة من قرأ « آتيا » وآتينا من المؤاتاة وهي الموافقة أي لتؤات كل واحدة أختها ولتوافقها . قالتا واقفنا وساعدنا . ويحتمل وافقاً أمري ومشيئتي ولا تمتنعا . فإن قلت ما معنى طوعاً أو كرهاً ؟ قلت هو مثل للزوم وتأثير قدرته فيهما ، وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال كما يقول الجبار لمن تحت يده لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، ولتفعلنه طوعاً أو كرهاً . وانتصابهما على الحال ، بمعنى طائعتين أو مكرهتين . فإن قلت هلا قيل طائعتين على اللفظ ؟ أو طائعات على المعنى ؟ لأنها سمٰوات وأرضون . قلت لما جعلن مخاطبات ومجيبات ، ووصفن بالطوع والكره قيل طائعين ، في موضع طائعات . نحو قوله ساجدين . { فَقَضَٰهُنَّ } يجوز أن يرجع الضمير فيه إلى السماء على المعنى كما قال { طَائِعِينَ } ونحوه { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } الحاقة 7 ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بسبع سموات ، والفرق بين النصبين أن أحدهما على الحال ، والثاني على التمييز ، قيل خلق الله السمٰوات وما فيها في يومين في يوم الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، فخلق فيها آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة . وفي هذا دليل على ما ذكرت لك ، من أنه لو قيل في يومين في موضع أربعة أيام سواء ، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان . فإن قلت فلو قيل خلق الأرض في يومين كاملين وقدر فيها أقواتها في يومين كاملين . أو قيل بعد ذكر اليومين تلك أربعة سواء ؟ قلت الذي أورده سبحانه أخصر وأفصح وأحسن طباقاً لما عليه التنزيل من مغاصاة القرائح ومصاك الركب ، ليتميز الفاضل من الناقص ، والمتقدم من الناكص ، وترتفع الدرجات ، ويتضاعف الثواب ، { أَمْرِهَا } ما أمر به فيها ودبره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك . أو شأنها وما يصلحها { وَحِفْظاً } وحفظناها حفظاً ، يعني من المسترقة بالثواقب . ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى ، كأنه قال وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً .