Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو في { وَٱلْكِتَـٰبِ } واو القسم ، إن جعلت حم تعديداً للحروف أو اسماً للسورة ، مرفوعاً على خبر الابتداء المحذوف وواو العطف إن كانت حم مقسماً بها . وقوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ } جواب القسم ، والكتاب المبين للقرآن . والليلة المباركة ليلة القدر . وقيل ليلة النصف من شعبان ، ولها أربعة أسماء الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصكّ ، وليلة الرحمة وقيل بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة . وقيل في تسميتها ليلة البراءة والصكّ أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة ، كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة . وقيل هي مختصة بخمس خصال تفريق كل أمر حكيم وفضيلة العبادة فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 1010 " من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا . وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان " ونزول الرحمة قال عليه الصلاة والسلام 1011 " إنّ الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب " وحصول المغفرة قال عليه الصلاة والسلام 1012 " إنّ الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين ، أو مصرّ على الزنا " وما أعطى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام الشفاعة ، وذلك 1013 أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمّته . فأعطى الثلث منها ، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع ، إلا من شرد عن الله شراد البعير . ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة . والقول الأكثر أنّ المراد بالليلة المباركة ليلة القدر ، لقوله تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } القدر 1 ولمطابقة قوله { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ 4 } لقوله { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ 4 } وقول تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان . فإن قلت ما معنى إنزال القرآن في هذه الليلة ؟ قلت قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر ، وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً نجوماً . فإن قلت { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان . فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } الدخان 3 كأنه قيل أنزلنا لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب ، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكيمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم . والمباركة الكثيرة الخير لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة ، ومعنى { يُفْرَقُ } يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم ، وجميع أمورهم منها إلى الأخرى القابلة . وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ، ويقع الفراغ في ليلة القدر ، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخة الحروب إلى جبريل ، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت . وعن بعضهم يعطى كل عامل بركات أعماله ، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه ، وعلى قلوبهم هيبته . وقرىء « يفرق » بالتشديد و { يُفْرَقُ } كل على بنائه للفاعل ونصب كل ، والفارق الله عزّ وجلّ ، وقرأ زيد بن عليّ رضي الله عنه « نفرق » بالنون ، كل أمر حكيم كل شأن ذي حكمة ، أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ، وهو من الإسناد المجازى لأنّ الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ، ووصف الأمر به مجاز { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَا } نصب على الاختصاص . جعل كل أمر جزلاً فخماً بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، كائناً من لدنا ، كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا . ويجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهي ، ثم إما أن يوضع موضع فرقانا الذي هو مصدر يفرق ، لأنّ معنى الأمر والفرقان واحد ، من حيث إنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه . أو يكون حالاً من أحد الضميرين في أنزلناه إما من ضمير الفاعل ، أي أنزلناه آمرين أمراً . أو من ضمير المفعول أي أنزلناه في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل فإن قلت { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبِّكَ } بم يتعلق ؟ قلت يجوز أن يكون بدلاً من قوله { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } و { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } مفعولاً له ، على معنى إنا أنزلنا القرآن لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم ، وأن يكون تعليلاً ليفرق . أو لقوله { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنآ } ورحمة مفعولاً به ، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } فاطر2 أي يفصل في هذه الليلة كل أمر . أو تصدر الأوامر من عندنا لأنّ من عادتنا أن نرسل رحمتنا . وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع . والأصل إنا كنا مرسلين رحمة منا ، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذاناً بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وفي قراءة زيد بن عليّ « أمر من عندنا » على هو أمر وهي تنصر انتصابه على الاختصاص . وقرأ الحسن « رحمة من ربك » ، على تلك رحمة ، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } وما بعده تحقيق لربوبيته ، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه . وقرىء « رب السمٰوات … ربكم ورب آبائكم » بالجر بدلاً من ربك . فإن قلت ما معنى الشرط الذي هو قوله { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ؟ قلت كانوا يقرون بأن للسمٰوات والأرض رباً وخالقاً ، فقيل لهم إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب ، ثم قيل إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السمٰوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان ، كما تقول إنّ هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه واشتهر وإسخاؤه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته .