Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إذا قمتم إلى الصلاة } كقوله { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } النحل 98 وكقولك إذا ضربت غلامك فهوّن عليه ، في أن المراد إرادة الفعل . فإن قلت لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل ؟ قلت لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه ، فكما عبر عن القدرة عن الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير ، والأعمى لا يبصر ، أي لا يقدران على الطيران والإبصار . ومنه قوله تعالى { نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ } الأنبياء 104 يعني إنا كنا قادرين على الإعادة ، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل ، وذلك لأنّ الفعل مسبب عن القدرة والإرادة ، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما ، ولإيجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم كما تدين تدان ، إن عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه . وقيل معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها لأنّ من توجّه إلى شيء وقام إليه كان قاصداً له لا محالة ، فعبَّر عن القصد له بالقيام إليه . فإن قلت ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصَّلاة محدث وغير محدّث ، فما وجهه ؟ قلت يحتمل أن يكون الأمر للوجوب ، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة ، وأن يكون للندب . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده / 336 أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 337 " من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات " وعنه عليه السلام 338 " أنه كان يتوضأ لكل صلاة ، فلما كان يوم الفتح مسح على خفيه وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد " ، فقال له عمر صنعت شيئاً لم تكن تصنعه فقال " عمداً فعلته يا عمر " يعني بياناً للجواز ؟ فإن قلت هل يجوز أن يكون الأمر شاملاً للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب ، ولهؤلاء على وجه الندب . قلت لا ، لأنَّ تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية . وقيل كان الوضوء لكل صلاة واجباً أوّل ما فرض . ثم نسخ إلى تفيد معنى الغاية مطلقاً . فأمَّا دخولها في الحكم وخروجها ، فأمر يدور مع الدليل ، فمما فيه دليل على الخروج قوله { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } البقرة 280 لأن الإعسار علة الإنذار . وبوجود الميسرة تزول العلة ، ولو دخلت الميسرة فيه لكان مُنظراً في كلتا الحالتين معسراً وموسراً . وكذلك { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ } البقرة 187 لو دخل الليل لوجب الوصال . ومما فيه دليل على أن الدخول قولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره لأنّ الكلام مسوق لحفظ القرآن كله . ومنه قوله تعالى { مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } الإسراء 1 لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله . وقوله { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } و { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ كافة العلماء بالاحتياط فحكموا بدخولها في الغسل . وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 339 " أنه كان يدير الماء على مرفقيه " { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } المراد إلصاق المسح بالرأس . وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح ، كلاهما ملصق للمسح برأسه . فقد أخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب أو أكثره على اختلاف الرواية ، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما روي 340 أنه مسح على ناصيته . وقدر الناصية بربع الرأس . قرأ جماعة « وأرجلكم » بالنصب ، فدل على أن الأرجل مغسولة فإن قلت فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح ؟ قلت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها . وقيل { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } فجيء بالغاية إماطة لظنّ ظانّ يحسبها ممسوحة ، لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة . وعن علي رضي الله عنه أنه أشرف على فتية من قريش فرأى في وضوئهم تجوزاً ، فقال ويل للأعقاب من النار ، فلما سمعوا جعلوا يغسلونها غسلاً ويدلكونها دلكاً . وعن ابن عمرو 341 كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال " ويل للأعقاب من النار " وفي رواية جابر 342 " ويل للعراقيب " وعن عمر أنه رأى رجلاً يتوضأ فترك باطن قدميه ، فأمره أن يعيد الوضوء ، وذلك للتغليظ عليه ، وعن عائشة رضي الله عنها لأن تقطعا أحب إليّ من أن أمسح على القدمين بغير خفين . وعن عطاء والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين . وقد ذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فأوجب المسح . وعن الحسن أنه جمع بين الأمرين . وعن الشعبي نزل القرآن بالمسح والغسل سنة . وقرأ الحسن وأرجلكم ، بالرفع بمعنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين . وقرىء « فاطهروا » أي فطهروا أبدانكم ، وكذلك ليطهركم . وفي قراءة عبد الله « فأموا صعيداً » { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ } في باب الطهارة ، حتى لا يرخص لكم في التيمم { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ } بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } وليتمّ برخصه إنعامه عليكم بعزائمه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمته فيثيبكم .