Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 82-86)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وصف الله شدّة شكيمة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق ولين عريكة النصارى وسهولة ارعوائهم وميلهم إلى الإسلام ، وجعل اليهود قرناء المشركين في شدّة العداوة للمؤمنين ، بل نبه على تقدّم قدمهم فيها بتقديمهم على الذين أشركوا ، وكذلك فعل في قوله { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } البقرة 96 ولعمري إنهم لكذلك وأشدّ . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم 362 " ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله " وعلل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودّتهم للمؤمنين { بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً } أي علماء وعباداً { وَإِنَّهُمْ } قوم فيهم تواضع واستكانة ولا كبر فيهم ، واليهود على خلاف ذلك . وفيه دليل بين على أنّ التعلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير وأدله على الفوز حتى علم القسيسين ، وكذلك غم الآخرة والتحدّث بالعاقبة وإن كان في راهب ، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني . ووصفهم الله برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن ، وذلك نحو ما يحكى عن النجاشيّ رضي الله عنه أنه قال لجعفر بن أبي طالب - حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون لعنوا وهم يغرونه عليهم ويتطلبون عنتهم عنده - هل في كتابكم ذكر مريم ؟ قال جعفر فيه سورة تنسب إليها ، فقرأها إلى قوله { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } مريم 34 وقرأ سورة طه إلى قوله { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } طه 9 فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم سبعون رجلاً حين قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس . فبكوا . فإن قلت بم تعلقت اللام في قوله { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } ؟ قلت بعداوة ومودّة ، على أنّ عداوة اليهود التي اختصت المؤمنين أشدّ العداوات وأظهرها ، وأن مودّة النصارى التي اختصت المؤمنين أقرب المودّات ، وأدناها وجوداً ، وأسهلها حصولاً . ووصف اليهود بالعداوة والنصارى بالمودّة مما يؤذن بالتفاوت ، ثم وصف العداوة والمودّة بالأشدّ والأقرب . فإن قلت ما معنى قوله { تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } قلت معناه تمتلىء من الدمع حتى تفيض ، لأن الفيض أن يمتلىء الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه ، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الإمتلاء ، وهو من إقامة المسبب مقام السبب ، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها ، أي تسيل من الدمع من أجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعاً فإن قلت أي فرق بين من ومن في قوله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } ؟ قلت الأولى لابتداء الغاية ، على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق ، وكان من أجله وبسببه . والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا . وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق ، فأبكاهم وبلغ منهم ، فكيف إذا عرفوه كله وقرؤا القرآن وأحاطوا بالسنة ؟ وقرىء « ترى أعينهم » على البناء للمفعول { رَبَّنَا ءامَنَّا } المراد به إنشاء الإيمان ، والدخول فيه { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } مع أمّة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } البقرة 143 وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } إنكار استبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين ، وقيل لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك . أو أرادوا وما لنا لا نؤمن بالله وحده لأنهم كانوا مثلثين ، وذلك ليس بإيمان بالله ومحل لا نؤمن النصب على الحال ، بمعنى غير مؤمنين ، كقولك مالك قائماً . والواو في { وَنَطْمَعُ } واو الحال . فإن قلت ما العامل في الحال الأولى والثانية ؟ قلت العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل ، كأنه قيل أي شيء حصل لنا غير مؤمنين ، وفي الثانية معنى هذا الفعل ، ولكن مقيداً بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت وما لنا ونطمع ، لم يكن كلاماً . ويجوز أن يكون ونطمع حالاً من لا نؤمن ، على أنهم أنكروا على نفوسهم أنهم لا يوحدون الله ، ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين ، وأن يكون معطوفاً على لا نؤمن على معنى وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصاحين ، أو على معنى وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الإسلام ، لأن الكافر ما ينبغي له أن يطمع في صحبة الصالحين . قرأ الحسن « فآتاهم » { بِمَا قَالُواْ } بما تكلموا به عن اعتقاد وإخلاص ، من قولك هذا قول فلان ، أي اعتقاده وما يذهب إليه .