Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-13)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عدّد الله عز وعلا آلاءه ، فأراد أن يقدّم أوّل شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه ، وهي نعمة الدين ، فقدّم من نعمة الدين ما هو في أعلى مراتبها وأقصى مراقيها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه ، لأنه أعظم وحي الله رتبة ، وأعلاه منزلة ، وأحسنه في أبواب الدين أثراً ، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها والعيار عليها ، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ، ثم أتبعه إياه ليعلم أنه إنما خلقه للدين ، وليحيط علماً بوحيه وكتبه وما خلق الإنسان من أجله ، وكأن الغرض في إنشائه كان مقدّماً عليه وسابقاً له ، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان ، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ، { ٱلرَّحْمَـٰنُ } مبتدأ ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة ، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد ، كما تقول زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذل ، كثرك بعد قلة ، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد ، فما تنكر من إحسانه ؟ { بِحُسْبَانٍ } بحساب معلوم وتقدير سويّ { يجريان } في بروجهما ومنازلهما . وفي ذلك منافع للناس عظيمة منها علم السنين والحساب { وَٱلنَّجْمُ } والنبات الذي لا ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول { وَٱلشَّجَرُ } الذي له ساق . وسجودهما انقيادههما لله فيما خلقا له ، وأنهما لا يمتنعان ، تشبيهاً بالساجد من المكلفين في انقياده . فإن قلت كيف اتصلت هاتان الجملتان بالرحمٰن ؟ قلت استغنى فيهما عن الوصل اللفظي بالوصل المعنوي ، لما علم أن الحسبان حسبانه ، والسجود له لا لغيره ، كأنه قيل الشمس والقمر بحسبانه ، والنجم والشجر يسجدان له ، فإن قلت كيف أخل بالعاطف في الجمل الأول ، ثم جيء به بعد ؟ قلت بَكَّت بتلك الجمل الأول واردة على سنن التمديد ، ليكون كل واحدة من الجمل مستقلة في تقريع الذين أنكروا الرحمٰن وآلاءه ، كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال الذي قدّمته ، ثم ردّ الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف . فإن قلت أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف ؟ قلت إنّ الشمس والقمر سماويان ، والنجم والشجر أرضيان ، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل ، وأنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين ، وأن جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر وقيل { عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ 2 } جعله علامة وآية . وعن ابن عباس رضي الله عنه الإنسان آدم . وعنه أيضاً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن مجاهد النجم نجوم السماء { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا } خلقها مرفوعة مسموكة ، حيث جعلها منشأ أحكامه ، ومصدر قضاياه ، ومتنزل أوامره ونواهيه ، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } وفي قراءة عبد الله « وخفض الميزان » . وأراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس ، أي خلقه موضوعاً مخفوضاً على الأرض حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم { أَلاَّ تَطْغَوْاْ } لئلا تطغوا . أو هي أن المفسرة . وقرأ عبد الله « لا تطغوا » بغير أن ، على إرادة القول { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } وقوّموا وزنكم بالعدل { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } ولا تنقصوه أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة ، وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان . وكرّر لفظ الميزان تشديداً للتوصية به ، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه . وقرىء « والسماء » بالرفع . « ولا تخسروا » بفتح التاء وضم السين وكسرها وفتحها . يقال خسر الميزان يخسره ويخسره ، وأمّا الفتح فعلى أن الأصل ولا تخسروا في الميزان ، فحذف الجار وأوصل الفعل . { وَضَعَهَا } خفضها مدحوّة على الماء { لِلأَنَامِ } للخلق ، وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة . وعن الحسن الإنس والجنّ ، فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها { فَـٰكِهَةٌ } ضروب مما يتفكه به ، و { ٱلأَكْمَامِ } كل ما يكم أي يغطى من ليفة وسعفة وكفّراة وكله منتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه . وقيل الأكمام أوعية التمر - الواحد كِم بكسر الكاف و { العصف } ورق الزرع وقيل التبن { وَٱلرَّيْحَانُ } الرزق وهو اللب أراد فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل ، وما يتغذى به وهو الحب . وقرىء « والريحان » ، بالكسر . ومعناه والحب ذو العصف الذي هو علف الأنعام ، والريحان الذي هو مطعم الناس . وبالضم على ، وذو الريحان ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل معناه وفيها الريحان الذي يشم ، وفي مصاحف أهل الشأم والحب ذو العصف والريحان أي وخلق الحب والريحان ، أو وأخص الحب والريحان . ويجوز أن يراد وذا الريحان ، فيحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه ، والخطاب في { رَبِّكُمَا تُكَذّبَانِ } للثقلين بدلالة الأنام عليهما . وقوله { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } الرحمٰن 31 .