Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 10-26)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلسَّـٰبِقُونَ } المخلصون الذين سبقوا إلى ما دعاهم الله إليه وشقوا الغبار في طلب مرضاة الله عز وجل وقيل الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا السابق المقرَّب ، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ، ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب اليمين ، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ، ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا ، فهذا صاحب الشمال ما أصحاب الميمنة . ما أصحاب المشأمة تعجيب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة . والمعنى أي شيء هم ؟ والسابقون السابقون ، يريد والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم ، كقوله وعبد الله عبد الله . وقول أبي النجم @ وشعري شعري @@ كأنه قال وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته ، وقد جعل السابقون تأكيداً . وأولئك المقرّبون خبراً وليس بذاك ووقف بعضهم على والسابقون وابتدأ السابقون أولئك المقرّبون ، والصواب أن يوقف على الثاني ، لأنه تمام الجملة ، وهو في مقابلة ما أصحاب الميمنة ، وما أصحاب المشأمة { ٱلْمُقَرَّبُونَ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ12 } الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم . وقرىء « في جنة النعيم » والثلة الأمة من الناس الكثيرة . قال @ وَجَاءَتْ إلَيْهِمْ ثُلَّةٌ خِنْدِفِيَّة بِجَيْشٍ كَتَيَّارٍ مِن السَّيّلِ مُزْبِدِ @@ وقوله عز وجل { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ14 } كفى به دليلاً على الكثرة ، وهي من الثل وهو الكسر ، كما أنّ الأمّة من الأمّ وهو الشج ، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم . والمعنى أنّ السابقين من الأوّلين كثير ، وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ14 } وهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } من متقدّمي هذه الأمة ، و { مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } من متأخريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1120 " الثلتان جميعاً من أمّتي " فإن قلت كيف قال { وقليل من الآخرين } ، ثم قال { وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ40 } ؟ قلت هذا في السابقين وذلك في أصحاب اليمين وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعاً . فإن قلت فقد روى أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } الواقعة 39 - 40 . قلت هذا لا يصح لأمرين ، أحدهما أنّ هذه الآية واردة في السابقين وروداً ظاهراً ، وكذلك الثانية في أصحاب اليمين . ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم ، على السابقين ووعدهم ، والثاني أنّ النسخ في الأخبار غير جائز وعن الحسن رضي الله عنه سابقو الأمم أكثر من سابقي أمّتنا ، وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمّة . وثلة خبر مبتدإ محذوف ، أي هم ثلة { مَّوْضُونَةٍ } مرمولة بالذهب ، مشبكة بالدرّ والياقوت ، قد دوخل بعضها في بعض كما توضن حلق الدرع . قال الأعشى @ وَمِنْ نَسْجِ دَاوُدَ مَوْضُونَة @@ وقيل متواصلة ، أدنى بعضها من بعض . { مُتَّكِئِينَ } حال من الضمير في على ، وهو العامل فيها ، أي استقرّوا عليها متكئين { مُّتَقَـٰبِلِينَ } لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض . وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب { مُّخَلَّدُونَ } مبقون أبداً على شكل الولدان وحدّ الوصافة لا يتحوّلون عنه . وقيل مقرّطون ، والخلدة القرط . وقيل هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيئات فيعاقبوا عليها . روى عن علي رضي الله عنه وعن الحسن . وفي الحديث 1121 " أولاد الكفار خدّام أهل الجنة " الأكواب أوان بلا عرى وخراطيم ، والأباريق ، ذوات الخراطيم { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي بسببها ، وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها . أو لا يفرّقون عنها . وقرأ مجاهد « لا يصدعون » ، بمعنى لا يتصدعون لا يتفرقون ، كقوله { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } الروم 43 ويصدعون ، أي لا يصدع بعضهم بعضاً ، لا يفرّقونهم { يَتَخَيَّرُونَ } يأخذون خيره وأفضله { يَشْتَهُونَ } يتمنون . وقرىء « ولحوم طير » قرىء « وحور عين » بالرفع على وفيها حور عين ، كبيت الكتاب @ إِلاَّ رَوَاكِدُ جَمْرُهُنَّ هَبَاء وَمُشَجَّجٌ … @@ أو للعطف على ولدان ، وبالجر عطفاً على جنات النعيم ، كأنه قال هم في جنات النعيم ، وفاكهة ولحم وحور . أو على أكواب ، لأن معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَٰنٌ مُّخَلَّدُونَ17 { بِأَكْوَابٍ } ينعمون بأكواب ، وبالنصب على ويؤتون حورا { جَزَآءً } مفعول له ، أي يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم { سَلَـٰماً سَلَـٰماً } إما بدل من { قِيلاً } بدليل قوله { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَـٰماً } مريم 62 وإما مفعول به لقيلا ، بمعنى لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاما سلاما . والمعنى أنهم يفشون السلام بينهم ، فيسلمون سلاماً بعد سلام . وقرىء « سلام سلام » ، على الحكاية .