Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أرادوا بقولهم { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم . فقال الله عزّ وجلّ قالوا ذلك { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } أن الأمر كما يدل عليه قولهم إنك لرسول الله ، والله يشهد أنهم لكاذبون في قولهم نشهد وادعائهم فيه المواطأة . أو إنهم لكاذبون فيه ، لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة . أو أراد والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أنّ قولهم { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه . فإن قلت أي فائدة في قوله تعالى { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } ؟ قلت لو قال قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم الكاذبون ، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب فوسط بينهما قوله { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } ؟ ليميط هذا الإيهام { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } يجوز أن يراد أنّ قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة ، لأنّ الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد ، يقول الرجل أشهد وأشهد بالله ، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى . وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن « أشهد » يمين . ويجوز أن يكون وصفاً للمنافقين في استجنانهم بالأيمان . وقرأ الحسن البصري إيمانهم ، أي ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم . ويعضده قوله تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا } . { سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله . وفي { سَآءَ } معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين { ذَٰلِكَ } إشارة إلى قوله { سَآء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا بـــ سبب أنهم آمنوا ثم كفروا أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان ، أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فجسروا على كل عظيمة . فإن قلت المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم ، فما معنى قوله { ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } ؟ قلت فيه ثلاثة أوجه ، أحدها آمنوا ، أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ، ثم كفروا ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير ، وقولهم في غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات . ونحوه قوله تعالى { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } التوبة 74 أي وظهر كفرهم بعد أن أسلموا . ونحوه قوله تعالى { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } التوبة 66 والثاني آمنوا أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام ، كقوله تعالى { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } البقرة 14 إلى قوله تعالى { إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤون } البقرة 14 والثالث أن يراد أهل الردة منهم . وقرىء « فطبع على قلوبهم » ، وقرأ زيد بن علي « فطبع الله » .