Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-33)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنا بلونا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم { كَمَا بَلَوْنَاۤ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } وهم قوم من أهل الصلاة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين ، فكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي ، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل ، وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف من العنب ، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خفية عن المساكين ، ولم يستثنوا في يمينهم ، فأحرق الله جنتهم . وقيل كانوا من بني إسرائيل { مُصْبِحِينَ } داخلين في الصبح مبكرين { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ 18 } ولا يقولون إن شاء الله . فإن قلت لم سمي استثناء ، وإنما هو شرط ؟ قلت لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء ، من حيث إن معنى قولك لأخرجنّ إن شاء الله ، ولا أخرج إلا أن يشاء الله . واحد { فَطَافَ عَلَيْهَا } بلاء أو هلاك { طَآئِفٌ } كقوله تعالى { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } الكهف 42 وقرىء « طيف » { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ 20 } كالمصرومة لهلاك ثمرها . وقيل الصريم الليل ، أي . احترقت فاسودت . وقيل النهار أي يبست وذهبت خضرتها . أو لم يبق شيء فيها ، من قولهم بيض الإناء ، إذا فرغه . وقيل الصريم الرمال { صَـٰرِمِينَ } حاصدين . فإن قلت هلا قيل اغدوا إلى حرثكم وما معنى على ؟ قلت لما كان الغدوّ إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوّا عليه ، كما تقول غداً عليهم العدوّ . ويجوز أن يضمن الغدوّ معنى الإقبال ، كقولهم يفدى عليه بالجفنة ويراح ، أي فأقبلوا على حرثكم باكرين { يَتَخَـٰفَتُونَ } يتسارّون فيما بينهم . وخفى ، وخفت ، وخفد ثلاثتها في معنى الكتم ومنه الخفدود للخفاش { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا } أن مفسرة . وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول ، أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها والنهي عن الدخول للمسكين نهي لهم عن تمكينه منه ، أي لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل كقولك لا أرينك ههنا . الحرد من حردت السنة إذا منعت خيرها وحردت الإبل إذا منعت درّها . والمعنىّ وغدوا قادرين على نكد ، لا غير عاجزين عن النفع ، يعني أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم ، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان ، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة . أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين ، بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها ، أي غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع ، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها ، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد . و { قَـٰدِرِينَ } من عكس الكلام للتهكم ، أي قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين ، وعلى حرد ليس بصلة قادرين ، وقيل الحرد بمعنى الحرد . وقرىء « على حرد » ، أي لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض ، كقوله تعالى { يَتَلَـٰوَمُونَ } القلم 30 وقيل الحرد القصد والسرعة يقال حردت حردك . وقال @ أقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ أمرِ اللَّهْ يَحْرُدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ اْلمُغْلَّةْ @@ وقطا حراد سراع ، يعني وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط ، قادرين عند أنفسهم ، يقولون نحن نقدر على صرامها وزيّ منفعتها عن المساكين . وقيل { حَرْدٍ } علم للجنة ، أي غدواً على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم . أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان { قَالُواْ } في بديهة وصولهم { إِنَّا لَضَالُّونَ } أي ضللنا جنتنا ، وما هي بها لما رأوا من هلاكها فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا { أَوْسَطُهُمْ } أعدلهم وخيرهم ، من قولهم هو من سطة قومه ، وأعطني من سطات مالك . ومنه قوله تعالى { أُمَّةً وَسَطًا } البقرة 143 . { لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم ، كأن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله وانتقامه من المجرمين ، وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم ، وسارعواإلى حسم شرها قبل حلول النقمة ، فعصوه فعيرهم . والدليل عليه قولهم { سُبْحَـٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة ، ولكن بعد خراب البصرة . وقيل المراد بالتسبيح . الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله ، لأنّ الاستثناء تفويض إليه ، والتسبيح تنزيه له وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم . وعن الحسن هو الصلاة ، كأنهم كانوا يتوانون في الصلاة وإلاّ لنهتهم عن الفحشاء والمنكر ، ولكانت لهم لطفاً في أن يستثنوا ولا يحرموا { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } سبحوا الله ونزهوه عن الظلم وعن كل قبيح ، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء { يَتَلَـٰوَمُونَ } يلوم بعضهم بعضاً لأنّ منهم من زين ، ومنهم من قبل ، ومنهم من أمر بالكف وعذر ومنهم من عصى الأمر ، ومنهم من سكت وهو راض { أَن يُبْدِلَنَا } قرىء بالتشديد والتخفيف { إِلَىٰ رَبّنَا رٰغِبُونَ } طالبون منه الخير راجون لعفوه { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ } أشد وأعظم منه ، وسئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من أهل الجنة أم من أهل النار ؟ فقال لقد كلفتني تعباً . وعن مجاهد تابوا فأبدلوا خيراً منها . وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً .