Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-151)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأسِف الشديد الغضب { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } الزخرف 55 وقيل هو الحزين { خَلَفْتُمُونِى } قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي . وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بني إسرائيل وهم هارون عليه السلام والمؤمنون معه . ويدلّ عليه قوله { ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى } الأعراف 142 والمعنى بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله ، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله . فإن قلت أين ما تقتضيه بئس من الفاعل والمخصوص بالذم ؟ قلت الفاعل مضمر يفسره ما خلفتموني . والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم . فإن قلت أي معنى لقوله { مِن بَعْدِى } بعد قوله { خلفتموني } ؟ قلت معناه من بعد ما رأيتم مني ، من توحيد الله ، ونفي الشركاء عنه ، وإخلاص العبادة له . أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد . وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر ، حين قالوا { ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } الأعراف 128 ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه . ونحوه { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } الأعراف 169 أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ، ويضمن معنى سبق فيتعدّى تعديته ، فيقال عجلت الأمر ، والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به ، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولن أرجع إليكم فحدَّثتم أنفسكم بموتي ، فغيّرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم . وروي أنّ السامري قال لهم - حين أخرج لهم العجل وقال هذا إلٰهكم وإلٰه موسى - إنَّ موسى لن يرجع ، وإنه قد مات وروي أنهم عدّوا عشرين يوماً بلياليها فجعلوها أربعين ، ثم أحدثوا ما أحدثوا { وَأَلْقَى ٱلالْوَاحَ } وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدّة الضجر عند استماعه حديث العجل ، غضباً لله وحمية لدينه ، وكان في نفسه حديداً شديد الغضب ، وكان هارون ألين منه جانباً ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى . وروي أنّ التوراة كانت سبعة أسباع ، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي منها سبع واحد ، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء ، وفيما بقي الهدى والرحمة { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } أي بشعر رأسه { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } بذؤابته وذلك لشدّة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته ، وظناً بأخيه أنه فرط في الكف { ٱبْنَ أُمَّ } قرىء بالفتح تشبيهاً بخمسة عشر ، وبالكسر على طرح ياء الإضافة . « وابن أمي » ، وبالياء . « وابن إمِّ » ، بكسر الهمزة والميم . وقيل كان أخاه لأبيه وأمّه ، فإن صحّ فإنما أضافه إلى الأم ، إشارة إلى أنهما من بطن واحد . وذلك أدعى إلى العطف والرقة ، وأعظم للحق الواجب ، ولأنها كانت مؤمنة فاعتدّ بنسبها ، ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها { إِنَّ ٱلْقَوْمَ استضعفوني } يعني أنه لم يأل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار . وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادّتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلاّ أن يقتلوه { يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ ٱلاعْدَاء } فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إليّ ، وقرىء « فلا يشمت بي الأعداء » ، على نهي الأعداء عن الشماتة . والمراد أن لا يحل به ما يشمتون به لأجله { وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ولا تجعلني في موجدتك عليّ وعقوبتك لي قريناً لهم وصاحباً . أو ولا تعتقد أني واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم . لما اعتذر إليه أخوه وذكر له شماتة الأعداء { قَالَ رَبّ ٱغْفِرْ لِى وَلاخِى } ليرضي أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تتم لهم شماتتهم ، واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه ، ولأخيه أن عسى فرط في حسن الخلافة . وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته ، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة .