Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-74)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرىء { وَإِلَىٰ ثَمُودَ } بمنع الصرف بتأويل القبيلة ، وإلى ثمود بالصرف بتأويل الحيّ أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح . وقيل سميت ثمود لقلة مائها ، من الثمد وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الشام والحجاز إلى وادي القرى { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ } آية ظاهرة وشاهد على صحة نبوّتي . وكأنه قيل ما هذه البينة ؟ فقال { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءايَةً } وآية نصب على الحال ، والعامل فيها ما دلّ عليه اسم الإشارة من معنى الفعل ، كأنه قيل أشير إليها آية . ولكم بيان لمن هي له آية موجبة عليه الإيمان خاصة وهم ثمود لأنهم عاينوها وسائر الناس أخبروا عنها وليس الخبر كالمعاينة ، كأنه قال لكم خصوصاً ، وإنما أضيفت إلى اسم الله تعظيماً لها وتفخيماً لشأنها ، وأنها جاءت من عنده مكوّنة من غير فحل وطروقة آية من آياته ، كما تقول آية الله . وروى أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعماراً طوالاً ، حتى أن الرجل كان يبني المسكن المحكم فينهدم في حياته ، فنحتوا البيوت من الجبال ، وكانوا في سعة ورخاء من العيش ، فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان ، فبعث الله تعالى إليهم صالحاً عليه السلام ، وكانوا قوماً عرباً وصالح من أوسطهم نسباً ، فدعاهم إلى الله تعالى فلم يتبعه إلاّ قليل منهم مستضعفون ، فحذرهم وأنذرهم ، فسألوه آية ، فقال أية آية تريدون ؟ قالوا تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة ، فتدعوا إلٰهك ، وندعوا آلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك ، وإن استجيب لنا اتبعتنا ، فقال صالح نعم ، فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوها الاستجابة فلم تجبهم ، ثم قال سيدهم - جندع ابن عمرو ، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاثبة - أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء - والمخترجة التي شاكلت البخت - فإن فعلت صدّقناك وأجبناك . فأخذ صالح عليه السلام عليهم المواثيق لئن فعلت ذلك لتؤمننّ ولتصدّقنّ ، قالوا نعم ، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء . كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلاّ الله تعالى ، وعظماؤهم ينظرون ، ثم نتجت ولداً مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ، ومنع أعقابهم ناس من رؤوسهم أن يؤمنوا ، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ، وكانت ترد غباً ، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كلّ ماء فيها ، ثم تتفحج فيحتلبون ما شاؤا حتى تمتلىء أوانيهم ، فيشربون ويدخرون . قال أبو موسى الأشعري أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً . وكانت الناقة إذا وقع الحرّ تصيفت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه وإذا وقع البرد تشتت بطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره ، فشقّ ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أمّ غنم ، وصدقة بنت المختار - لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي - فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه ، فانطلق سقبها حتى رقي جبلاً اسمه قارة فرغى ثلاثاً وكان صالح قال لهم أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه وانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها . فقال لهم صالح تصبحون غداً ووجوهكم مصفرَّة ، وبعد ذلك غدٍ ووجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث ووجوهكم مسودّة ، ثم يصحبكم العذاب فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه . فأنجاه الله إلى أرض فلسطين . ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع ، فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا { تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أي الأرض أرض الله والناقة ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض ربها ، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من أنباتكم { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } لا تضربوها ولا تطردوها ولا تريبوها بشيء من الأذى إكراماً لآية الله . ويروى 392 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرّ بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه " « لا يدخلنّ أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلاّ أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم » " وقال صلى الله عليه وسلم 393 " يا علي ، أتدري من أشقى الأوّلين » ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال « عاقر ناقة صالح ، أتدري من أشقى الآخرين » ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال « قاتلك » " وقرأ أبو جعفر في رواية « تأكل في أرض الله » وهو في موضع الحال بمعنى آكلة { وَبَوَّأَكُمْ } وترلكم . والمباءة المنزل { فِى ٱلاْرْضِ } في أرض الحجر بين الحجاز والشام { مِن سُهُولِهَا قُصُورًا } أي تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرهص واللبن والآجر . وقرأ الحسن « وتنحتون » بفتح الحاء وتنحاتون بإشباع الفتحة ، كقوله @ يَنْبَاعُ مِنْ ذَفْرَى أَسِيلٍ حُرَّةٍ @@ فإن قلت علام انتصب { بُيُوتًا } ؟ قلت على الحال ، كما تقول خِطْ هذا الثوب قميصاً وابْرِ هذه القصبة قلما ، وهي من الحال المقدّرة ، لأن الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت ، ولا الثوب ولا القصبة قميصاً وقلماً في حال الخياطة والبري . وقيل كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء .