Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 75-79)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم ، و { لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } بدل من الذين استضعفوا . فإن قلت الضمير في منهم راجع إلى ماذا ؟ قلت إلى { قَوْمِهِ } أو إلى { ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } . فإن قلت هل لاختلاف المرجعين أثر في اختلاف المعنى ؟ قلت نعم وذلك أن الراجع إذا رجع إلى قومه فقد جعل { مَنْ ءامَنَ } مفسراً لمن استضعف منهم ، فدل أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين ، وإذا رجع إلى الذين استضعفوا لم يكن الاستضعاف مقصوراً عليهم ، ودلّ أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ } شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية ، كما تقول للمجسمة أتعلمون أن الله فوق العرش . فإن قلت كيف صحّ قولهم { إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } جواباً عنه ؟ قلت سألوهم عن العلم بإرساله ، فجعلوا إرساله أمراً معلوماً مكشوفاً مسلماً لا يدخله ريب ، كأنهم قالوا العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته ، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به ، فنخبركم أنا به مؤمنون ، ولذلك كان جواب الكفرة { إِنَّا بِٱلَّذِى ءَامَنْتُمْ بِهِ كَٰفِرُونَ } فوضعوا { ءَامَنتُم بِهِ } موضع { أُرْسِلَ بِهِ } رداً لما جعله المؤمنون معلوماً وأخذوه مسلماً { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلاّ بعضهم ، وقد يقال للقبيلة الضخمة أنتم فعلتم كذا ، وما فعله إلاّ واحداً منهم { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين ، وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } الأعراف 73 أو شأن ربهم وهو دينه . ويجوز أن يكون المعنى وصدر عتوّهم عن أمر ربهم ، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم . ونحو عن هذه ما في قوله { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى } الكهف 82 ، { ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } أرادوا من العذاب . وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوماً . واستعجالهم له لتكذيبهم به ، ولذلك علقوه بما هم به كافرون ، وهو كونه من المرسلين { ٱلرَّجْفَةُ } الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها { فِي دَارِهِمْ } في بلادهم أو في مساكنهم { جَـٰثِمِينَ } هامدين لا يتحركون موتى . يقال الناس جثم ، أي قعود لا حراك بهم ولا ينبسون نبسة . ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها ، وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى . وعن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحجر قال 394 " لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح فأخذتهم الصيحة ، فلم يبق منهم إلاّ رجل واحد كان في حرم الله . قالوا من هو ؟ قال ذاك أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " ، وروى أنّ صالحاً كان بعثه إلى قوم فخالف أمره . وروى أنه عليه السلام مرّ بقبر أبي رغال فقال 395 " « أتدرون من هذا » ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . فذكر قصة أبي رغال ، وأنه دفن ههنا ودفن معه غصن من ذهب ، فابتدروه وبحثوا عنه بأسيافهم فاستخرجوا الغصن . " { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } الظاهر أنه كان مشاهداً لما جرى عليهم ، وأنه تولى عنهم بعدما أبصرهم جاثمين ، تولى مغتم متحسر على ما فاته من إيمانهم يتحزن لهم ويقول يا قوم لقد بذلت فيكم وسعي ولم آل جهداً في إبلاغكم والنصيحة لكم ولكنكم { لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } ويجوز أن يتولى عنهم تولي ذاهب عنهم ، منكر لإصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب . وروى أنّ عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ، ونزل بهم العذاب يوم السبت . وروى أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي ، فالتفت فرأى الدخان ساطعاً فعلم أنهم قد هلكوا ، وكانوا ألفاً وخمسمائة دار . وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم . فإن قلت كيف صحّ خطاب الموتى وقوله { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } ؟ قلت قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه حياً فلم يسمع منه حتى ألقى بنفسه في التهلكة يا أخي ، كم نصحتك وكم قلت لك فلم تقبل مني ؟ وقوله { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } حكاية حال ماضية .