Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-25)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَحِيداً } حال من الله عز وجل على معنيين ، أحدهما ذرني وحدي معه ، فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم . والثاني خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد . أو حال من المخلوق على معنى خلقته وهو وحيد فريد لا مال له ولا ولد ، كقوله { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام 94 ، وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب في قومه بالوحيد ، ولعله لقب بذلك بعد نزول الآية فإن كان ملقباً به قبل فهو تهكم به وبلقبه ، وتغيير له عن الغرض الذي كانوا يؤمونه - من مدحه ، والثناء عليه بأنه وحيد قومه لرياسته ويساره وتقدّمه في الدنيا - إلى وجه الذم والعيب وهو أنه خلق وحيداً لا مال له ولا ولد ، فآتاه الله ذلك ، فكفر بنعمة الله وأشرك به واستهزأ بدينه { مَّمْدُوداً } مبسوطاً كثيراً أو ممدّاً بالنماء ، من مدّ النهر ومدّ نهر آخر . قيل كان له الزرع والضرع والتجارة . وعن ابن عباس هو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الأموال . وقيل كان له بستان بالطائف لا ينقطع ثماره صيفاً وشتاء . وقيل كان له ألف مثقال . وقيل أربعة آلاف وقيل تسعة آلاف وقيل ألف ألف ، وعن ابن جريج غلة شهر بشهر { وَبَنِينَ شُهُوداً } حضوراً معه بمكة لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة ، لأنهم مكفيون لوفور نعمة أبيهم واستغنائهم عن التكسب وطلب المعاش بأنفسهم ، فهو مستأنس بهم لا يشتغل قلبه بغيبتهم ، وخوف معاطب السفر عليهم ولا يحزن لفراقهم والاشتياق إليهم . ويجوز أن يكون معناه أنهم رجال يشهدون معه المجامع والمحافل . أو تسمع شهادتهم فيما يتحاكم فيه . وعن مجاهد كان له عشرة بنين . وقيل ثلاثة عشر . وقيل سبعة كلهم رجال الوليد بن الوليد ، وخالد ، وعمارة ، وهشام ، والعاص ، وقيس ، وعبد شمس أسلم منهم ثلاثة خالد ، وهشام ، وعمارة { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } وبسطت له الجاه العريض والرياسة في قومه ، فأتمت عليه نعمتي المال والجاه واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا . ومنه قول الناس آدام الله تأييدك وتمهيدك ، يريدون زيادة الجاه والحشمة . وكان الوليد من وجهاء قريش وصناديدهم ولذلك لقب الوحيد وريحانة قريش { ثُمَّ يَطْمَعُ } استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه ، يعنى أنه لا مزيد على ما أوتي سعة وكثرة وقيل إنه كان يقول إن كان محمد صادقاً فما خلقت الجنة إلا لي { كَلاَّ } ردع له وقطع لرجائه وطمعه { إِنَّهُ كان لأَيَـٰتِنَا عَنِيداً } تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلا قال لم لا يزاد ؟ فقيل إنه عاند آيات المنعم وكفر بذلك نعمته ، والكافر لا يستحق المزيد ، ويروى أنه ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله حتى هلك { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } سأغشيه عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعد الذي لا يطاق وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1248 " يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذابت ، فإذا رفعها عادت ، وإذا وضع رجله ذابت ، فإذا رفعها عادت " وعنه عليه السلام 1249 " الصَّعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً " ، { إِنَّهُ فَكَّرَ } تعليل للوعيد ، كأن الله تعالى عاجله بالفقر بعد الغنى ، والذل بعد العز في الدنيا بعناده ، ويعاقبه في الآخرة بأشدّ العذاب وأفظعه لبلوغه بالعناد غايته وأقصاه في تفكيره ، وتسميته القرآن سحراً . ويجوز أن تكون كلمة الردع متبوعة بقوله { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } ردّاً لزعمه أن الجنة لم تخلق إلا له وإخباراً بأنه من أشدّ أهل النار عذاباً ، ويعلل ذلك بعناده ، ويكون قوله { إِنَّهُ فَكَّرَ } بدلاً من قوله { إِنَّهُ كان لأَيَـٰتِنَا عَنِيداً } بياناً لِكُنْهِ عناده . ومعناه { فكر } ماذا يقول في القرآن { وَقَدَّرَ } في نفسه ما يقول وهيأه { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحزّ . ورميه الغرض الذي كان تنتحيه قريش . أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به أو هي حكاية لما كرروه من قولهم . { قتل كيف قدّر } تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره ، واستعظامهم لقوله . ومعنى قول القائل قتله الله ما أشجعه . وأخزاه الله ما أشعره الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك . روي 1250 أنّ الوليد قال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد ، والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا اكفيكموه ، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال تزعمون أن محمداً مجنون ، فهل رأيتموه يخنق وتقولون إنه كاهن ، فهل رأيتموه قط يتكهن وتزعمون أنه شاعر ، فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط وتزعمون أنه كذاب ، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ، فقالوا في كل ذلك اللهم لا ، ثم قالوا فما هو ؟ ففكر فقال ما هو إلا ساحر . أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل ، فارتج النادي فرحاً ، وتفرّقوا معجبين بقوله متعجبين منه { ثُمَّ نَظَرَ } في وجوه الناس ، ثم قطب وجهه ، ثم زحف مدبراً ، وتشاوس مستكبراً لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء ، وهمّ بأن يرمي بها وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط ، استهزاء به . وقيل قدرّ ما يقوله ، ثم نظر فيه ، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول . وقيل قطب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ أَدْبَرَ } عن الحق { وَٱسْتَكْبَرَ } عنه فقال ما قال . و { ثُمَّ نَظَرَ } عطف على { فَكَّرَ وَقَدَّرَ } والدعاء اعتراض بينهما . فإن قلت ما معنى { ثُمَّ } الداخلة في تكرير الدعاء ؟ قلت الدلالة على أن الكرّة الثانية أبلغ من الأولى . ونحوه قوله @ أَلاَ يَا اسْلَمِى ثُمَّ اسْلَمِى ثُمَّتَ اسْلَمِى @@ فإن قلت ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها ؟ قلت الدلالة على أنه قد تأنَّىٰ في التأمّل وتمهل ، وكأنّ بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد . فإن قلت فلم قيل { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَا } بالفاء بعد عطف ما قبله بثم ؟ قلت لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث . فإن قلت فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين ؟ قلت لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد .