Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إدخال « لا » النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس @ لاَ وَأَبِيك ابْنَةَ الْعَامِرِيّ لاَ يَدَّعِى الْقَوْمُ أَنِّي أفِرّ @@ وقال غوثة بن سلمى @ أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمالِ لِتَخْزُنَني فَلاَ بِكِ ما أُبَالِي @@ وفائدتها توكيد القسم ، وقالوا إنها صلة مثلها في { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } الحديد29 وفي قوله @ في بئْرِ لاحورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ @@ اعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله ، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض ، والاعتراض صحيح لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام ، ولكن الجواب غير سديد . ألا ترى إلى امرىء القيس كيف زادها في مستهل قصيدته . والوجه أن يقال هي للنفي . والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدلك عليه قوله تعالى { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } الواقعة 75 - 76 ، فكأنه بإدخال حرف النفي يقول إنّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام يعني أنه يستأهل فوق ذلك . وقيل إن « لا » نفي لكلام وردّ له قبل القسم ، كأنهم أنكروا البعث فقيل لا ، أي ليس الأمر على ما ذكرتم ، ثم قيل أقسم بيوم القيامة . فإن قلت قوله تعالى { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } النساء 65 والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي ، فهلا زعمت أنّ « لا » التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له ، وقدّرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً ، كقوله { لآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ 1 } ، لا تتركون سدى ؟ قلت لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ ، ولكنه لم يقصر . ألا ترى كيف لقي { لا أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } البلد 1 ، بقوله { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } التين 4 ، وكذلك { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } الواقعة 75 ، بقوله إنه لقرآن كريم وقرىء « لأقسم » على أنّ اللام للابتداء . وأقسم خبر مبتدأ محذوف ، معناه لأنا أقسم . قالوا ويعضده أنه في الإمام بغير ألف { بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } بالنفس المتقية التي تلوم النفوس فيه أي في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى أو بالتي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان . وعن الحسن إن المؤمن لا تراه إلا لائماً نفسه ، وإنّ الكافر يمضي قدما لا يعاتب نفسه . وقيل هي التي تتلوّم يومئذ على ترك الازدياد إن كانت محسنة . وعلى التفريط إن كانت مسيئة . وقيل هي نفس آدم ، لم تزل تتلوّم على فعلها الذي خرجت به من الجنة . وجواب القسم ما دل عليه قوله { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } وهو لتبعثن . وقرأ قتادة « أن لن تُجمِع عظامه » ، على البناء للمفعول . والمعنى نجمعها بعد تفرّقها ورجوعها رميماً ورفاتا مختلطاً بالتراب ، وبعدما سفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض . وقيل إن عدّي ابن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريق وهما اللذان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهما 1254 " اللهم اكفني جاري السوء " قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره ؟ فأخبره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أومن به أو يجمع الله العظام ، فنزلت { بَلَىٰ } أوجبت ما بعد النفي وهو الجمع ، فكأنه قيل { بَلَىٰ } نجمعها و { قَـٰدِرِينَ } حال من الضمير في نجمع ، أي نجمع العظام قادرين على تأليف جميعها وإعادتها إلى التركيب الأوّل إلى أن نسوّي بنانه أي أصابعه التي هي أطرافه ، وآخر ما يتم به خلقه . أو على أن نسوي بنانه ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولاً من غير نقصان ولا تفاوت ، فكيف بكبار العظام . وقيل معناه بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه ، أي نجعلها مستوية شيئاً واحداً كخف البعير وحافر الحمار لا نفرق بينها ، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاً مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال ، والبسط والقبض ، والتأتي لما يريد من الحوائج . وقرىء « قادرون » أي نحن قادرون ، { بَلْ يُرِيدُ } عطف على { أَيَحْسَبُ } فيجوز أن يكون مثله استفهاماً ، وأن يكون إيجاباً على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر . أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه . وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه يقدم الذنب ويؤخر التوبة . يقول سوف أتوب ، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شرّ أحواله وأسوأ أعماله { يَسْـئَلُ } سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة في قوله { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ونحوه ويقولون متى هذا الوعد .