Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-14)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها أي تخريجها . من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم { غَرْقاً } إغراقاً في النزع ، أي تنزعها من أقاصى الأجساد من أناملها وأظفارها أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب . والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك « ثور ناشط » إذا خرج من بلد إلى بلد ، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر الغلبة والظفر ، وإسناد التدبير إليها ، لأنها من أسبابه . أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب . وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب ، والتي تخرج من برج إلى برج ، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً من علم الحساب . وقيل النازعات أيدي الغزاة ، أو أنفسهم تنزع القسيّ بإغراق السهام ، والتي تنشط الأوهاق والمقسم عليه محذوف ، وهو « لتبعثن » لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة . و { يَوْمَ تَرْجُفُ } منصوب بهذا المضمر . و { ٱلرَّاجِفَةُ } الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال ، وهي النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } أي الواقعة التي تردف الأولى ، وهي النفخة الثانية . ويجوز أن تكون الرادفة من قوله تعالى { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } النمل 72 ، أي القيامة التي يستعجلها الكفرة استبعاداً لها ، وهي رادفة لهم لاقترابها . وقيل الراجفة الأرض والجبال ، من قوله { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } المزمل 14 والرادفة السماء والكواكب لأنها تنشق وتنتثر كواكبها على أثر ذلك . فإن قلت ما محل تتبعها ؟ قلت الحال ، أي ترجف تابعتها الرادفة . فإن قلت كيف جعلت { يَوْمَ تَرْجُفُ } ظرفاً للمضمر الذي هو لتبعثن ، ولا يبعثون عند النفخة الأولى ؟ قلت المعنى لتبعثنّ في الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع ، وهو وقت النفخة الأخرى . ودلّ على ذلك أنّ قوله { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } جعل حالاً عن الراجفة . ويجوز أن ينتصب { يَوْمَ تَرْجُفُ } بما دلّ عليه { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } أي يوم ترجف وجفت القلوب { وَاجِفَةٌ } شديدة الاضطراب ، والوجيب والوجيف أخوان { خَـٰشِعَةٌ } ذليلة . فإن قلت كيف جاز الابتدء بالنكرة ؟ قلت { قُلُوبٍ } مرفوعة بالابتداء و { وَاجِفَةٌ } صفتها ، و { أَبْصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةٌ } خبرها فهو كقوله { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ } البقرة 221 ، فإن قلت كيف صح إضافة الأبصار إلى القلوب ؟ قلت معناه أبصار أصحابها بدليل قوله { يَقُولُونَ } { فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } في الحالة الأولى ، يعنون الحياة بعد الموت . فإن قلت ما حقيقة هذه الكلمة ؟ قلت يقال رجع فلان في حافرته ، أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها ، أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفراً ، كما قيل حفرت أسنانه حفراً إذا أثر الأكال في أسناخها . والخط المحفور في الصخر . وقيل حافرة ، كما قيل عيشة راضية ، أي منسوبة إلى الحفر والرضا ، أو كقولهم نهارك صائم ، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته ، أي طريقته وحالته الأولى . قال @ أَحَافِرَةٌ عَلَى صلَعٍ وَشَيْبٍ مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ سَفَهٍ وَعَارٍ @@ يريد أرجوعاً إلى حافرة ؟ وقيل النقد عند الحافرة ، يريدون عند الحالة الأولى وهي الصفقة وقرأ أبو حيوة « في الحفرة » والحفرة بمعنى المحفورة . يقال حفرت أسنانه فحفرت حفراً ، وهي حفرة وهذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفورة . يقال « نخر » العظم فهو نخر وناخر ، كقولك طمع فهو طمع وطامع وفعل أبلغ من فاعل وقد قرىء بهما وهو البالي الأجوف الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير . و { إِذاً } منصوب بمحذوف ، تقديره أئذاكنا عظاماً نرد ونبعث { كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } منسوبة إلى الخسران ، أو خاسر أصحابها . والمعنى أنها إن صحت فنحن إداً خاسرون لتكذيبنا بها ، وهذا استهزاء منهم فإن قلت بم تعلق قوله { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَٰحِدَةٌ } قلت بمحذوف ، معناه لا تستصعبوها ، فإنما هي زجرة واحدة يعني لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل ، فإنها سهلة هينة في قدرته ، ما هي إلا صيحة واحدة ، يريد النفخة الثانية { فَإِذَا هُم } أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتاً في جوفها ، من قولهم زجر البعير ، إذا صاح عليه . والساهرة الأرض البيضاء المستوية ، سميت بذلك لأنّ السراب يجري فيها ، من قولهم عين ساهرة جارية الماء ، وفي ضدها نائمة . قال الأشعث بن قيس @ وَسَاهِرَةٍ يُضْحِى السَّرابُ مُجَلَّلاً لأَقْطَارِهَا قَدْ جُبْتُهَا مُتَلَثِّمَا @@ أو لأنّ سالكها لا ينام خوف الهلكة . وعن قتادة فإذا هم في جهنم .