Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 4-9)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإن قلت أين جواب القسم ؟ قلت محذوف يدل عليه قوله { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلاْخْدُودِ } كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون ، يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة ، وتذكيرهم بما جرى على من تقدّمهم من التعذيب على الإيمان . وإلحاق أنواع الأذى ، وصبرهم وثباتهم ، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرّقين بالنار ، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم قتلت قريش ، كما قيل قتل أصحاب الأخدود وقتل دعاء عليهم ، كقوله { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا أَكْفَرَهُ } عبس 17 وقرىء « قتل » بالتشديد . والأخدود الخدّ في الأرض وهو الشق ، ونحوهما بناء ومعنى الخق والأخقوق . ومنه فساخت قوائمه في أخاقيق جرذان . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال 1284 " كان لبعض الملوك ساحر ، فلما كبر ضمّ إليه غلاماً ليعلمه السحر ، وكان في طريق الغلام راهب فسمع منه ، فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس . فأخذ حجراً فقال اللهم إن كان الراهب أحبّ إليك من الساحر فاقتلها فقتلها وكان الغلام بعد ذلك يبريء الأكمه والأبرص ، ويشفي من الأدواء ، وعمي جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله فقال من ردّ عليك بصرك ؟ فقال ربي ، فغضب فعذبه . فدل على الغلام فعذبه ، فدل على الراهب ، فلم يرجع الراهب عن دينه ، فقدّ بالمنشار وأبي الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته ، فدعا فرجف بالقوم ، فطاحوا ونجا ، فذهب به إلى قرقور فلججوا به ليغرقوه ، فدعا فانكفأت بهم السفينة ، فغرقوا ونجا ، فقال للملك لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول بسم الله رب الغلام ، ثم ترميني به ، فرماه فرقع في صدغه فوضع يده عليه ومات فقال الناس أمنا برب الغلام فقيل للملك . نزل بك ما كنت تحذر فأمر بأخاديد في أفواه السكك وأوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست أن تقع فيها ، فقال الصبي يا أماه ، أصبري فإنك على الحق فاقتحمت . وقيل قال لها قعى ولا تنافقي . وقيل قال لها ما هي إلا غميضة فصبرت " وعن علي رضي الله عنه 1285 أنهم حين اختفلوا في أحكام المجوس قال هم أهل كتاب وكانوا متمسكين بكتابهم ، وكانت الخمر قد أحلت لهم ، فتناولها بعض ملوكهم فسكر ، فوقع على أخته فلما صحا ندم وطلب المخرج ، فقالت له المخرج أن تخطب الناس فتقول يا أيها الناس ، إنّ الله قد أحل نكاح الأخوات ، ثم تخطبهم بعد ذلك فتقول إن الله حرّمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط فلم يقبلوا فقالت له ابسط فيهم السيف ، فلم يقبلوا فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها فهم الذين أرادهم الله بقوله { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلاْخْدُودِ44 } وقيل وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى عليه السلام ، فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير ، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا ، فأحرق منهم اثني عشر ألفاً في الأخاديد . وقيل سبعين ألفاً وذكر أنّ طول الأخدود أربعون ذراعاً وعرضه اثنا عشر ذراعاً . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1289 " أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء " { ٱلنَّارِ } بدل اشتمال ممن الأخدود { ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس ، وقرىء « الوقود » بالضم { إِذْ } ظرف لقتل ، أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها . ومعنى { عَلَيْهَا } على ما يدنو منها من حافات الأخدود ، كقوله @ وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ @@ وكما تقول مررت عليه ، تريد مستعليا لمكان يدنو منه ، ومعنى شهادتهم على إحراق المؤمنين أنهم وكلوا بذلك وجعلوا شهوداً يشهد بعضهم لبعض عند الملك أنّ أحداً منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب . ويجوز أن يراد أنهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين ، يؤدّون شهادتهم يوم القيامة { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النور 24 ، { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ } وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله @ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنْ سُيُوفَهُمْ @@ قال ابن الرقيات @ مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إلاَّ أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إنْ غَضِبُوا @@ وقرأ أبو حيوة « نقموا » بالكسر ، والفصيح هو الفتح . وذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به ويعبد ، وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه حميداً منعماً . يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقديراً ، لأن { مَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ } هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغيّ ، وإن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب لا يعدله عذاب { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } وعيد لهم ، يعني أنه علم ما فعلوا ، وهو مجازيهم عليه .