Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 119-121)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } وقرىء « من الصادقين » وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولاً وعملاً ، أو الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم لله ورسوله على الطاعة من قوله { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } الأحزاب 23 وقيل هم الثلاثة ، أي كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم . وعن ابن عباس رضي الله عنه الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب ، أي كونوا مع المهاجرين والأنصار ، ووافقوهم وانتظموا في جملتهم ، واصدقوا مثل صدقهم . وقيل لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك . وعن ابن مسعود رضي الله عنه 501 لا يصلح الكذب في جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجزه . اقرءوا إن شئتم وكونوا مع الصادقين فهل فيها من رخصة ؟ { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما تلقاه نفسه ، علماً بأنها أعزُّ نفس عند الله وأكرمها عليه . فإذا تعرضت مع كرامتها وعزّتها للخوض في شدّة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرّضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ولا يقيموا لها وزناً ، وتكون أخفّ شيء عليهم وأهونه ، فضلاً عن أن يربئوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه ، وهذا نهي بليغ ، مع تقبيح لأمرهم ، وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما دلّ عليه قوله ما كان لهم أن يتخلفوا من وجوب مشايعته ، كأنه قيل ذلك الوجوب { بـــ } ـسبب { إِنَّهُمْ لا يُصِيبَهُم } شيء من عطش ، ولا تعب ، ولا مجاعة في طريق الجهاد ، ولا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم وأرجلهم . ولا يتصرفون في أرضهم تصرفاً يغيظهم ويضيق صدورهم { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً } ولا يرزءونهم شيئاً بقتل أو أسر أو غنيمة أو هزيمة أو غير ذلك { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } واستوجبوا الثواب ونيل الزلفى عند الله ، وذلك مما يوجب المشايعة . ويجوز أن يراد بالوطء الإيقاع والإبادة ، لا الوطء بالأقدام والحوافر ، كقوله عليه السلام 502 " آخر وطأة وطئها الله بوج " والموطىء . إما مصدر كالمورد وإما مكان فإن كان مكاناً فمعنى يغيظ الكفار يغيظهم وطئه والنيل أيضاً يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً ، وأن يكون بمنعى المنيل . ويقال نال منه إذا رزأه ونقصه ، وهو عام في كل ما يسؤوهم وينكبهم ويلحق بهم ضرراً . وفيه دليل على أن من قصد خيراً كان سعيه فيه مشكوراً من قيام وقعود ومشي وكلام وغير ذلك ، وكذلك الشرّ . وبهذه الآية استشهد أصحاب أبي حنيفة أنّ المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك لنا الجيش في الغنيمة ، لأنّ وطء ديارهم مما يغيظهم وينكي فيهم . 503 ولقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لابني عامر ، وقد قدما بعد تقضي الحرب ، وأمدّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه المهاجر بن أبي أمية وزياد بن أبي لبيد بعكرمة بن أبي جهل مع خمسمائة نفس ، فلحقوا بعد ما فتحوا فأسهم لهم . و عند الشافعي لا يشارك المدد الغانمين ، وقرأ عبيد ابن عمير « ظماء » بالمدح يقال ظمىء ظماءة وظماء { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً } ولو تمرة ولو علاقة سوط { وَلاَ كَبِيرَةً } مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا } أي أرضاً في ذهابهم ومجيئهم ، والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل ، وهو في الأصل « فاعل » من ودى إذا سال . ومنه الودي . وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض . يقولون لا تصلّ في وادي غيرك { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } ذلك من الإنفاق وقطع الوادي ويجوز أن يرجع الضمير فيه إلى عمل صالح وقوله { لِيَجْزِيَهُمُ } متعلق بكتب أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء .