Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-2)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بَرَآءَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة و { مِّنَ } لابتداء الغاية ، متعلق بمحذوف وليس بصلة ، كما في قولك برئت من الدين . والمعنى هذه براءة واصلة من الله ورسوله { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } كما يقال كتاب من فلان إلى فلان . ويجوز أن يكون { بَرَآءَةٌ } مبتدأ لتخصيصها بصفتها ، والخبر { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } كما تقول رجل من بني تميم في الدار وقرىء « براءة » بالنصب ، على اسمعوا براءة وقرأ أهل نجران « مِن الله » بكسر النون والوجه الفتح مع لام التعريف لكثرته . والمعنى أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وأنه منبوذ إليهم . فإن قلت لم علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين ؟ قلت قد أذن الله في معاهدة المشركين أوّلاً فاتفق المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم ، فلما نقضوا العهد أوجب الله تعالى النبذ إليهم ، فخوطب المسلمون بما تجّدد من ذلك فقيل لهم اعلموا أنّ الله ورسوله قد برئا مما عاهدتم به المشركين . وروي أنهم عاهدوا المشركين من أهل مكة وغيرهم من العرب ، فنكثوا إلا ناساً منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة فنبذ العهد إلى الناكثين ، وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاؤا لا يتعرض لهم ، وهي الأشهر الحرم في قوله { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } وذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها . 441 وكان نزولها سنة تسع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان ، وكان الأمير فيها عتاب بن أسيد ، فأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه على موسم سنة تسع ، ثم أتبعه علياً رضي الله عنه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم ، فقيل له لو بعثت بها إلى أبي بكر رضي الله عنه ؟ فقال لا يؤدي عني إلا رجل مني ، فلما دنا عليّ سمع أبو بكر الرغاء ، فوقف ، وقال هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما لحقه قال أمير أو مأمور ؟ قال مأمور . وروي 442 أنّ أبا بكر لما كان ببعض الطريق هبط جبريل عليه السلام فقال يا محمد ، لا يبلغنّ رسالتك إلا رجل منك ، فأرسل علياً ، فرجع أبو بكر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، أشيء نزل من السماء قال " نعم ، فسر وأنت على الموسم ، وعليّ ينادي بالآي " فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر رضي الله عنه وحدثهم عن مناسكهم ، وقام علي رضي الله عنه يوم النحر عند جمرة العقبة فقال يا أيها الناس ، إني رسول رسول الله إليكم . فقالوا بماذا ؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية . وعن مجاهد رضي الله عنه ثلاثة عشرة آية ، ثم قال أمرت بأربع " أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة ، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده " فقالوا عند ذلك يا علي ، أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا ، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف . وقيل إنما أمر أن لا يبلغ عنه إلا رجل منه لأنّ العرب عادتها في نقض عهودها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها ، فلو تولاه أبو بكر رضي الله عنه . لجاز أن يقولوا هذا خلاف ما يعرف فينا من نقض العهود فأزيحت علتهم بتولية ذلك علياً رضي الله عنه فإن قلت الأشهر الأربعة ما هي ؟ قلت عن الزهري رضي الله عنه أنّ براءة نزلت في شوال ، فهي أربعة أشهر شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرّم ، وقيل هي عشرون من ذي الحجة ، والمحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأوّل ، وعشر من شهر ربيع الآخر . وكانت حرماً لأنهم أُومنوا فيها وحرّم قتلهم وقتالهم . أو على التغليب لأنّ ذا الحجة والمحرّم منها . وقيل لعشر من ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول لأنّ الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان فيهم ، ثم صار في السنة الثانية من ذي الحجة . فإن قلت ما وجه إطباق أكثر العلماء على جواز مقاتلة المشركين في الأشهر الحرم وقد صانها الله تعالى عن ذلك ؟ قلت قالوا قد نسخ وجوب الصيانة وأبيح قتال المشركين فيها { غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } لا تفوتونه وإن أمهلكم ، وهو مخزيكم أي مذلكم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب .