Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 38-41)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱثَّاقَلْتُمْ } تثاقلتم . وبه قرأ الأعمش ، أي تباطأتم وتقاعستم . وضمن معنى الميل والإخلاد فعدي بإلى . والمعنى ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ، ونحوه { أَخْلَدَ إِلَى ٱلأرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } الأعراف 176 وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم . وقرىء « أثاقلتم » ؟ على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ . فإن قلت فما العامل في « إذا » وحرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه ؟ قلت ما دلّ عليه قوله { ٱثَّاقَلْتُمْ } أو ما في { مَالَكُمْ } من معنى الفعل ، كأنه قيل ما تصنعون إذا قيل لكم كما تعمله في الحال إذا قلت مالك قائماً ، وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف . استتفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو ، فشقّ عليهم . وقيل ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلاّ ورّى عنها بغيرها إلاّ في غزوة تبوك ليستعدّ الناس تمام العدة { مِنَ ٱلاْخِرَةِ } أي بدل الآخرة كقوله لَجَعَلْنَا مِنكُمْ ملائكة الزخرف 60 . { فِى ٱلآخِرَةِ } في جنب الآخرة { إِلاَّ تَنفِرُواْ } سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع ، وأنه غني عنهم في نصرة دينه ، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً وقيل الضمير للرسول أي ولا تضروه ، لأنّ الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره ، ووعد الله كائن لا محالة ، وقيل يريد بقوله { قَوْماً غَيْرَكُمْ } التوبة 39 أهل اليمن . وقيل أبناء فارس ، والظاهر مستغن عن التخصيص . فإن قلت كيف يكون قوله { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } جواباً للشرط ؟ قلت فيه وجهان أحدهما إلاّ تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلاّ رجل واحد ولا أقل من الواحد ، فدلّ بقوله { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } على أنه ينصره في المستقبل ، كما نصره في ذلك الوقت . والثاني أنه أوجب له النصرة وجعله منصوراً في ذلك الوقت ، فلن يخذل من بعده . وأسند الإخراج إلى الكفار كما أسند إليهم في قوله { مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ } محمد 13 لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أحد اثنين ، كقوله { ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه . يروى 464 أنّ جبريل عليه السلام لما أمره بالخروج قال من يخرج معي ؟ قال أبو بكر وانتصابه على الحال . وقرىء « ثاني اثنين » بالسكون و { إِذْ هُمَا } بدل من إذ أخرجه . والغار ثقب في أعلى ثور ، وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثاً { إِذْ يَقُولُ } بدل ثان . وقيل 465 طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن تصب اليوم ذهب دين الله ، فقال عليه الصلاة والسلام " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وقيل 466 لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت فنسجت عليه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللَّهم أعم أبصارهم " فجعلوا يتردّدون حول الغار ولا يفطنون . وقد أخذ الله بأبصارهم عنه . وقالوا من أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عنه فقد كفر ، لإنكاره كلام الله ، وليس ذلك لسائر الصحابة { سَكِينَتَهُ } ما ألقى في قلبه من الأمنة ، التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه ، والجنود الملائكة يوم بدر ، والأحزاب وحنين . وكلمة الذين كفروا دعوتهم إلى الكفر { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } دعوته إلى الإسلام . وقرىء « كلمة الله » بالنصب ، والرفع أوجه و { هِىَ } فصل أو مبتدأ ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلوّ ، وأنها المختصة به دون سائر الكلم { خِفَافًا وَثِقَالاً } خفافاً في النفور لنشاطكم له ، وثقالاً عنه لمشقته عليكم ، أو خفافاً لقلة عيالكم وأذيالكم ، وثقالاً لكثرتها . أو خفافاً من السلاح وثقالاً منه . أو ركباناً ومشاة . أو شباباً وشيوخاً . أو مهازيل وسماناً . أو صحاحاً ومراضاً . وعن ابن أمّ مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعليّ أن أنفر ؟ قال نعم ، حتى نزل قوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } النور 61 . وعن ابن عباس نسخت بقوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } التوبة 91 وعن صفوان بن عمرو كنت والياً على حمص ، فلقيت شيخاً كبيراً قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو . فقلت يا عمّ لقد أعذر الله إليك فرفع حاجبيه وقال يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، إلا أنه من يحبه الله يبتله . وعن الزهري خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو ، وقد ذهبت إحدى عينيه ، فقيل له إنك عليل صاحب ضرر ، فقال استنفرنا الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكنّي الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } إيجاب للجهاد بهما إن أمكن ، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة .