Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } : قال ابن رشد في البيان ( في رسم نذر سنة ) : لم يختلف قول مالك : إنّها لا تقرأ في الفريضة لا في أوّل الحمد ، ولا في ( أول ) السورة التي بعدها لأنها ليست آية منها . ( وليست ) من القرآن إلا في سورة النمل : وإنما ثبت في المصحف الاستفتاح بها . قال : ويتحصل في قراءتها في أول الحمد في الفريضة أربعة ( وجوه ) : قراءتها للشافعي - وكراهتها لمالك - واستحبابها لمحمد ابن مسلمة - والرابع قراءتها سرّا استحبابا - . وأما النافلة فلمالك فيها في الحمد قولان ، وله فيما عدا الحمد ثلاثة ، فله في هذه الرواية القراءة ، وله في رواية أشهب عنه عدمها إلا أن يقرأ القرآن في صلاته عرضا ، وفي المدونة أنّه يخيّر - انتهى . قال القاضي عماد الدين : ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أول كل سورة وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها آية من الفاتحة وعنه في كونها آية من ( أول ) كل سورة قولان : ( ( فمن أصحابه من حمل القولين على أنها من القرآن في أول كل سورة ، ومنهم من حملها على أنها هل هي آية برأسها في أول كل سورة أو هي مع كل آية من أول كل سورة آية ؟ ونقل السهيلي ) ) في الروض الأنف ( عن ) داود وأبي حنيفة أنها آية مقترنة مع السورة . ابن عرفة : قيل البسملة آية من كل سورة . فقال الغزالي في المستصفى : معناه أنها آية مع كل سورة وليست جزءا من كل سورة . وقال غيره : معناه أنها آية أي جزء من كل سورة . وورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها : ( ما كنا نعلم تمام السورة إلا بالبسملة ) فظاهره ( أنها ) تكرر إنزالها مع كل سورة مثل { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } وظاهر غيره من الأحاديث أنه لم يتكَرر فإذا قلنا : إنها مع أول كل سورة فكيف ( تصح ) قراءة ورش بإسقاطها . قال : لكن يجاب بما ( قال ) ابن الحاجب بتعارض الشبهات : أي أن كل واحد من الخصمين يرى أن ما أتى به خصمه شبهة أعني دليلا باطلا وهما قويان فتعارضت الشبهات . قال ابن عرفة : ولا بد من زيادة ضميمة أخرى وهي الإجماع على أنها قرآن من حيث الجملة ، فلذلك صح التعارض . قال بعضهم : والنافي هنا دليله أقوى ، وظاهر كلام ابن عطية في آخر سورة الحمد ( أنّ عدد آي السور قياسي لا سماعي ) لأنّه قال : أجمع الناس على أنّ ( عدد ) آي الحمد سبع . ( ربّ ) العَالمين آية - الرّحْمَان الرحِيمِ آية - ( مَالِكِ يَوْمِ ) الدّينِ آية - نَسْتَعينُ آية - أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية - وَلاَ الضّالّينَ آية . ونص الغزالي ( في المستصفى ) على أنه مسموع وكذلك قال الزمخشري في أول سورة البقرة في تفسير قوله : الم . قال الزمخشري : وذكر الزجاج أنه يفخم ( لاَمَهُ ) وعلى ذلك العرب كلهم وإطباقهم عليه دليل على أنهم ورثوه كابرا عن كابر . قال ابن عرفة : إنما يفخم في الرفع ، والنصب أما الخفض فلا . قال ابن عرفة : وكان الفقيه أبو عبد الله محمد بن سعيد ( بن عثمان ) بن أيوب ( الهزميري ) يحكي عن علماء الشافعية بالمشرق أنهم يقسمون البسملة ثلاثة أقسام : قسم هي فيه آية في أول الفاتحة ، وقسم هي فيه بعض آية ، وذلك في ( سورة ) النمل ، وقسم بعضها فيه آية ، وهو : { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } . { بِسْمِ اللهِ } : إما متعلق بفعل أو اسم وقدّره الزمخشري ( في ) " بسم الله أقرأ وأتلو " وقدره ابن عطية : بِسم الله أبتدئ . قال ( ابن عرفة ) : وكان الشيوخ يستصوبون تقدير الزمخشري ، فإنه يجعل ( قراءته ) من أولها إلى آخرها مصاحبة لاسم الله تعالى . وقد قال الشيخ عز الدين في قواعده : في قول الإنسان عند الأكل { بِسْمِ اللهِ } معناه : آكل باسم الله ، وليس معناه : أبدأ باسم الله ، ولهذا كانوا ينتقدون على الشاطبي في قوله : في ( النّظم ) أولا " وهلا قال " نظمت باسم الله ( في الذكر أولا " ) . ( حتى تكون التسمية مصاحبة له في جميع نظمه ) فإن قلت : لِمَ قدر الفعل متأخرا ؟ فالجواب : ( إنّه إنما ) قدره كذلك ليفيد الاختصاص لأنهم كانوا يقولون : واللاّت والعزى ويبدؤون بآلهتهم ، قُدّم اسم الله هنا ( للتوجيه والحصر ) كما في إياك نعبد . وابن أبي الربيع وغيره كانوا يقولون : إنّما قدم بِسْمِ الله ( هنا ) للاهتمام به . قوله تعالى : { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } : إن قلت : لِمَ قدم الوصف بالرّحمان مع أنه أبلغ على الوصف بالرحيم فيلزم أن يكون تأكيدا للأقوى بالأضعف . ( فأجيب ) ( بوجهين ) : - الأول : الرّحمان لما كان خاصا بالله تعالى جرى مجرى ( الأسماء ) الأعلام التي تلي العوامل فقدم على الرحيم . - ( الثاني ) : إن الرّحمان دال على جلائل النعم والرّحيم على دقائقها . قاله الزمخشري . قال ابن عرفة : وكان ( يسبق ) لنا تقريره بأنّهما يختلفان ( باعتبار ) المتعلق ، فالرحمة قسمان لأنّ الرحمة بالإنقاذ من الموت أشد من الرّحمة بإزالة شوكة ، فقد يرحم الإنسان عَدُوّهُ بالإنقاذ من الموت ولا تطيب نفسه أن يرحمه بإزالة شوكة تؤلمه في ( بدنه ) ( فتقديم ) الرّحمة الأُولى لا يستلزم هذه بوجه . قلت : وقرر ابن عرفة لنا في الختمة الثانية السؤال المتقدم : بأن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص ( فيبدأ ) في الثبوت بالأعم ، ثم بالأخص وفي النفي على العكس ورَحمان أخص من رحيم . وقرر لنا جوابه بأن الرحمان دال على كثير النّعم بالمطابقة وعلى دقائقها بالالتزام ودلالة المطابقة أقوى من دلالة الالتزام فذكر الرحيم بعده ليدل على دقائق النعم بالمطابقة . وإليه أشار الزمخشري بقوله : والرحيم أتى به ( كالتّتمة ) ليتناول ما دق منها . ولما ( رأى ) ، وذكر أن الرّحْمَانَ أبلغ لكونه أكثر حروفا قال : وهو من الصفات الغالبة كالدّبران ( والعرب ) لم ( تستعمله ) في غير الله أما قول بني حنيفة في ( مسيلمة ) الكذاب : رحمان اليَمامة . وقول شاعرهم : @ وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا ( فباب ) من تعنتهم في كفرهم @@ قال ابن عرفة : هو لا يحتاج إليه ، وكان ( يظهر ) لنا الجواب عنه بأن رَحْمانا في قولهم : رحمان اليمامة ( استعمل مضافا ) ورحمانا في البيت منكرا . وأما الرحمان المعرّف بالألف واللام فخاص بالله لم يستعمل في غيره ( فانتفى ) السؤال . وكذا نص إمام الحرمين في الإرشاد خلافا ( للفاسي ) في شرح الشاطبية ، فإنه نص على أن المختصّ بالله مجموع الرّحْمَانِ الرّحِيم ونحوه في أسئلة ابن السيد البطليوسي . قلت : ونقل لي بعضهم عن القاضي أبي عبد الله بن عبد السلام أنه أجاب عن السؤال المتقدم بوجوه . أحدها : الجواب المتقدم : أتى بالرحيم على سبيل التتمة ، وقد حصل الغرض بذكر الرّحْمَانِ وفائدته تحقق دخول ما يتوهم خروجه . - الثاني : مراعاة الفواصل ، عند من يرى أنها من الفاتحة . - الثالث : أن الرّحمان يستلزم الرّحيم لكنه ذكر ليدل عليه مطابقة . قال : وأجاب ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح بأن الرّحمان كثر استعماله حتى عُومل معاملة العلم بخلاف الرّحيم فإنه لم يخرج عن كونه صفة . قال : أو تقول إنها ليست للمبالغة . وقول الزمخشري : إن العرب لا تزيد حرفا إلا لمعنى ممنوع ، ( وسند ) المنع قولهم في حذر وبطر وأشد إنها أبلغ من حاذر وباطر وأشد . قلت : وأجاب بعض النحاة المعاصرين بأن حذر ناب مناب محذور ، ومحذور أكثر حروفا من حاذر بخلاف حاذر ، فإنه لم ينب مناب شيء ( حسبما ) نص عليه ابن عصفور في ( مقربه ) في باب الأمثلة . قلت : وأجاب ابن عرفة : بأنّ ذلك فيما عدل فيه عن الأصل والقياس إلى غيره كحذر وحاذر فإن القياس في اسم الفاعل منه أن يكون على وزن فاعل ( فإنما ) عدل عن ذلك لمعنى وغرض زائد ، وهو إرادة المبالغة ، وأما الذي لم يعدل فيه عن الأصل كرحمان ورحيم فنقول الأكثر حروفا ( أبلغ ) ولهذا ( قرر ) القاضي العماد ( رحمان ) أبلغ . قال : ورحمان ورحيم كلاهما معدولان وحذر معه كذلك بخلاف حاذر فما عدل إلا للمبالغة . واستشكل الغزالي ( في الإحياء ) قولهم : أَرْحَمُ الرّاحمِينَ مع أن الكفار في جهنم لم تصلهم رحمة بوجه ، وهنالك قال : ما في الإمكان ( أبدع ) مما كان . وانتقدها الناس عليه . وأجاب ابن عرفة : عن الإشكال بأن ذلك باعتبار مراعاة جميع الصفات لله تعالى لأن من صفاته - شديد العقاب - وذلك صادق بعذاب أهل النَار ونعيم أهل الجنة . فرحمته ( هي ) أشد الرحمة ، وعقابه هو أشد العقاب . وعادتهم يخطئون الغزالي في هذه المسألة ، ويقولون : كل عذاب فالعقل يجوز أن يكون أشد منه في الوجود ، وكل نعيم فالعقل يجوز أن يكون هناك أحسن منه . قال الزمخشري : فإن قلت ما معنى وصفه ( بالرحمة ومعناها العطف والحنو ومنه ) الرّحم لانعطافها على ما فيها . قلت : هو مجاز على إنعامه على عباده . قال ابن عرفة : قالوا كل مجاز لا بد له من حقيقة الاّ هذا فإن الرحمة هي العطف ( والحنو ) ، وذلك ( ما هو ) حقيقته إلا في الأجسام وتقرر أن غير الله لا يطلق عليه اسم الرحمان فهو مجاز لا حقيقة له . وتكلم ابن عطية هنا في الاسم هل هو عين المسمى أو غيره ؟ قال الفخر ابن الخطيب في نهاية العقول : المشهور عن أصحابنا أنّ الاسم هو المسمى ، وعن المعتزلة أنه التسمية ، وعن الغزالي أنه مغاير لهما ، والناس طوّلوا في هذا وهو عندي ( فضول ) لأن البحث عن ذلك مسبوق بتصور ماهية الاسم وماهية المسمى ، فالاسم هو الاسم الدال بالوضع لمعنى من غير زمان والمسمى هو وضع ذلك اللفظ بإزائه ، فقد يكون اللفظ غير المسمى لعلمنا أن لفظ الجواز مغاير لحقيقة ( المجاز ) ، وقد يكون نفسه لأن لفظ الاسم اسم ( للفظ ) الدال على المعنى المجرد ( عن ) الزمان ، ومن جملة تلك الألفاظ ( لفظ ) الاسم ، فيكون الاسم اسما لنفسه من حيث هو اسم . وقال غيره : إنّ السؤال ( سفسطة ) . وقال الآمدي ( في أبكار الأفكار ) ، وهو أحسن من تكلم عليه لأن المسألة لها تعلق باللغة ( وتعلق بأصول الدين ) أما اللغة فمن حيث إطلاق لفظ ( الاسم ) هل المراد به الذات فيكون الاسم ( هو ) المسمى أو اللفظ الدال عليه كـ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أما تعلقها بأصول الدين فهو ( هل ) المعقول ( من الذات ) ( منها ) وحدها أو منها مع اسمها ( أم لا ) ؟ فإن كان ( المعقول ) منهما واحدا كان الاسم هو المسمى كالعالم والقادر . وقال ابن عرفة : والصواب أن المعقول من الذات من حيث اتصالها بالصفة غير المعقول منها مجردة عن تلك الصفة ، ( فإنا ) إذا فهمنا من لفظ العالم الذات من حيث اتصافها بالعلم استحال اتصافها بالجهل ، بخلاف قولنا : " إن المعقول هو الذات القابلة ( للاتصاف ) بالعلم وبضده ولا شك أن المعقولين متغايران " . وانظر كلام الآمدي ، فهو طويل نقلته بكامله في آخر سورة الحشر وانظر مختصر ابن عرفة في فصل ( الحقيقة ) وما قيدته أنا في أواخر مسلم على حديث ( إن لله ) تسعا وتسعينا اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة . قلت : وقال ابن عرفة مرة أخرى : منهم من قال : تارة يراد بالاسم المسمى مثل : زيد عاقل ، وتارة يراد به التسمية : كزيد ( وزنه فعل ) ، ومنهم من قال : يراد به المسمى : كزيد قادر ، إذا أردت الذات . وتارة يراد به الصفة ، فقادر موضوع لأن يولد به القدرة ، وهو صفة من صفات الذات ، والله أعلم بالصواب .