Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 164-164)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } . قال ابن عرفة : تقدمها آية النبوة والرسالة في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } وآية الوحدانية في قوله تعالى { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } فيحتمل أن يكون دليلا لهذه أو هذه . قال ابن عطية : / عن عطاء : قال لما نزلت الآية المقدسة بالمدينة ، قال كفار قريش بمكة : ما الدّليل على هذا وما آيته وما علامته ؟ فطلبوا دلالة الوحدانية فنزلت هذه الآية . وقال سعيد بن ( المسيب ) رضي الله عنه : قالوا إن كان ما تقول حقا فأت بآية تدل على صدقك حتى " قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا فقيل لهم : ذلك ( لكم ) ، ولكن إن كفروا عُذبوا فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال : " دَعْنِي أدْعُهُمْ يَوْما فَيَوْما " . قال ابن عرفة : ظاهره أنه رق لحالهم . ويحتمل أن يكون ذلك لما في سورة الأنعام { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّاكَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فكأنه قال : ولو حصل لهم الصّفا ذهبا فإنهم لن يؤمنوا . قال ابن عرفة : قد تقرر الخلاف في الخلق هل هو نفس ( المخلوق ) وهو مذهب أهل السنة . وإن من يقول : إنه غير نفس المخلوق يلزمه التسلسل وهو مذهب المعتزلة لأن ذلك الخلق يحتاج إلى خلق آخر لأنه يقال بماذا وجد ؟ فيقول : بخلق آخر . وهل هو نفس المخلوق ( أم ) لا ويتسلسل . وأجابوا بأنه أمر نسبي فهو غيره ولكنه أمر نسبي ليس فيه تسلسل . قيل لابن عرفة : والأمور النسبية عدمية والعدمية لا يصح الاحتجاج بها فكيف يستقيم الاستدلال بها في الآية ؟ فقال : الاستدلال بها من حيث إضافتها إلى أمر موجود وهو المخلوق . قيل لابن عرفة : إن الفخر ابن الخطيب احتج بها على أن الخلق غير المخلوق . قال : لأنه لا يقع الاعتبار إلا بالنظر إلى المخلوقات بعد وجودها لا بخلقها لأنه غير مرئي . فقال : الاعتبار بها من حيث إيجادها ( من ) عدم وهو خلقها ، أي معنى خلقها . قال : والناس قسمان : عالم وجاهل ، فالجاهل يعتبر بنفس خلقها على الجملة والعالم ينظر فيجد المعمور من الأرض أقل من الخالي بالنسبة إلى سائر الأرضين أقل ، والأرضون بالنسبة إلى سماء الدنيا وما فوقها أقل ، والسماء الدنيا وما فوقها بالنسبة إلى الشمس أقل ، لأنها في السماء الرابعة ، والشمس بالنسبة إلى السماء الّتي فوقها أقل منها . قال ابن عرفة : وإنما جمعت السماوات وأفردت الأرضون مع أنها سبع لأنّ عدد السماوات يدرك بالرصد ، وطول الأعمار ، والكسوفات ، وأطوال البلاد وأعراضها ، وجري الكواكب ، والأرضون لا طريق لنا إلى إدراكها بوجه إلا من السمع ، لأن المشاهد لنا منها إنما هي أرض واحدة فأفردت بالذكر ، ولذلك اختلف فيها الإمام المازري وشيخه عبدالحميد الصائغ / انتهى / . وأجاب القرطبي عن هذا السؤال بأنّ السماوات مختلفة ، فقد ورد في الحديث أن بعضها من فضة وبعضها من زبرجد ، وبعضها من لؤلؤ إلى غير ذلك ، فلذلك جمعت بخلاف الأرضين فإنها متماثلة كلها من شيء واحد . ورده ابن عرفة بوجهين : - الأول مذهب المتكلمين أنّ الجواهر كلها متساوية في الحد والحقيقة ، وإنما تختلف في الأعراض فلا فرق بين جسم الذهب وجسم الفضة . - الثاني : أنّ النحويين أجازوا جمع المتماثلات ، ألا تراهم يجمعون زيدا وزيدا مع تماثلهم في اللفظ والمعنى ، فكذلك يجمعون الأرضون هنا ؟ قال ابن عرفة : وإنما الجواب ما قلناه في قوله تعالى في : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الى قوله { يَعْقِلُونَ } : فإن قلت : هلا أريد بخلق السماوات والأرض أنفسها أو نفس إيجادها وإثباتها ؟ . قلت : مذهب أهل السّنة أن الخلق نفس المخلوق لا أنه أمر زائد عليه . وكان شيخنا الإمام أبو عمرو بن الحاجب يقول بحسب ذلك : خلق الله السماوات مصدر ، كقولك : خلق الله خلقا ، وينكر طلبة النحو ذلك لاستغرابهم كون الجوامد مصادر وما لهم تصور لحقائق علم الكلام ، ولا لهم إحاطة بالضروريات الملجئة إلى مخالفة ، فإن المتكلمين التجأوا إلى ذلك لعلمهم أنّ الخلق لو كان معنى زائدا لكان وجوديا ، ولكان مخلوقا ولكان خلقه مفتقرا إلى خلق آخر . فلما قطعوا باستحالة ذلك قطعوا بأن القدرة تتعلق بذات العين ، فتوجدها ( أفعال ) الله كما أن المعاني أفعال . فإن قلت : حاصل ذلك لا تغاير بين الخلق والمخلوق فلا مصدر إذاً ، لأن ( المصدر ) في قولك : ضربت زيدا ضربا زائد على ذات زيد و ( لا هناك ) زائد ، ولا يستقيم إذا كان الموت مصدرا . قلت : هو ما ذكرت . والمستقيم كون الموت مفعولا به وهي نفس الفعل وهو الذي أراد الشيخ ابن الحاجب ولكن لو أعدّها مفعولا به لجمع بين الاصطلاح وبين المعقول . فإن قلت : لو قال قائل : خلق الله السماوات خلقا ، فكيف يعرب خلقا ؟ قلت : مصدرا ، وهو نفس المفعول به في المعنى فاحفظ الصناعة والحقيقة معا ، فالتغاير بين المصدر والمفعول به حقيقي في غير هذا الباب ولفظي هنا . فإن قلت : ما وجه ( المعطوفات ) في الآية على " خلق السماوات " وقد فسرت خلقها بمخلوقاتها وكلما ذكر من المخلوقات فيصير من / عطف الشيء على نفسه ؟ قلت : هو من عطف الجزء على الكل لثبوتهما بالجزء أو من عطف الأخبار في غيرها وإن كانت فيها . فإن قلت : ما وجه التقوية ؟ ( قلت ) باعتبار مقصد الاستدلال لأن ذوات السماوات والأرض لا دلالة لها من حيث الأعراض القائمة بها وأنها لا أعراض بدلالة الأكوان إذ الطبيعي ( محال ) في إنكار الأكوان ، وأبعد الأكوان الحركة والسكون ، والحركة أبعد لمشاهدتها ضرورة ولأجله استفتح الشيخ الأشعري في البرهان لقوله : تحرك الجوهر وكان ساكنا . ولا دعوى ( للطبيعي ) إلا في كونها تستفتح للجمع بين النقيضين . وعلى هذه النكتة دارت هذه الأدلة ( فاختلاف ) اللّيل والنهار ( راجع إلى الحركات وذكر الفلك ) باعتبار جرمها وتحركها حركات قوية ضرورية متوالية . قوله تعالى : { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ … } . أي يحدث الله المنفعة به في نفوسهم ( فيقطع ) قول الطبيعي : " الحركة عدم " لأن المعدوم لا ينفع وإنما ينفع الله بالفلك بواسطة حركاتها ولا فرق بين عدم النفع والنفع بالعدم . ثم ذكر ( الماء ) بواسطة كونه ( منزلا بحركة ) من السماء والأرض ثم ذكر أنه بث الأحياء بواسطة تلك الحركة ، وكيف يكون العدم واسطة في الإحياء ثم إحياء الأرض عبارة عن تحريك الحب الكائن فيها إلى الظهور ، ثم ذكر بث الدواب وهي المتحركات بالوصيب ثم ذكر تصريف الرياح أي تحريكها من قطر إلى قطر ( ثم ذكر السحاب المسخر أي المحرك من قطر إلى قطر وكله ) استدلال على حدوث الجواهر وحدوث حركاتها التي لا ( تنافي ) وجودها بدليل إثارتها الحسية . فإن قلت : ليس له في كل شيء ( دلالة ) فما فائدة هذه الأدلة والأمثلة ؟ قلت : الإيقاظ بعد الإيقاظ والإيقاع بعد الإيقاع والضرب على الضرب حتى لا يبقى للقبول علة في الاستدامة والغفلة ، حتى تتحرك الدواعي حركات متتابعة متسارعة إلى ضرب ( النّجاة ) . قوله تعالى { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … } . قال ابن عطية : أي تخالفهما ومعاقبة أحدهما للآخر أو يريد اختلاف أوصافهما فالليل تارة أطول والنهار تارة أطول . قال ابن عرفة : أو المراد اختلاف كل واحد منهما في نفسه فَلَيْلَةُ البارحة أقصر من ليلة اليوم ونهار اليوم أطول من نهار غد وأشار إليه الفخر . قوله تعالى { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ … } . مجاز في الإفراد وهو لفظ إحيائها ولفظ موتها . قوله تعالى : { مِن كُلِّ دَآبَّةٍ … } . " من " للتبعيض في الأصناف و " كُلّ " للعموم في الأنواع . قوله تعالى : { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ … } . تصريفها هبوبها من ( جهاتها ) المختلفة أو دوران الرّيح إلى المغرب بعد هبوبه من المشرق . قوله تعالى : { لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . لم يقل : يعلمون ، لأن هذا من باب الاستدلال ( والاستدلال ) مقدمة شرطها العقل وأما العلم نتيجة عن تلك المقدمات فلذلك لم يذكر هنا . قيل لابن عرفة : عادة المتكلّمين في كتبهم يذكرون ( باب ) حدوث العلم ويستدلّون ( فيه ) على وجود الصانع ويفردون بابا آخر للاستدلال على وحدانية الصانع ( فيجعلونهما بابين والآية اقتضت الاستدلال بحدوث العالم على وحدانية الصانع ) ؟ فأجاب ابن عرفة بوجهين : - الأول : قال : إن الآية خطاب لقريش وهم مقرون بأن المؤثر واحد والشركاء غير مؤثرين ، فلا استدلال بالآية مع ضميمة اعتقاد أن المؤثر واحد استْدل به على أنه موجود . - الجواب الثاني : أنها دليل على أن هذه الأشياء لها فاعل ومؤثر ، وقد دل الدليل العقلي على منع اجتماع مؤثرين على أثر واحد فصح بالآية وجود الصانع ووحدانيته .