Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 197-197)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ … } . ابن عطية : أي وقت الحج أشهر . ابن عرفة : أو الحج ذو أشهر كقولهم : زيد عدل أي ذو عدل . ابن عرفة : وعادتهم يوردون في هذا تشكيكا وهو أن هذه القضية ، إمّا صادقة أو كاذبة وكلاهما باطل ، أمّا بطلان الثاني فظاهر وأمّا الأول فلأنّها إذا كانت معلومة كان الإخبار بها غير مفيد إذ هو تحصيل الحاصل كقولك هذا ( الشهر ) معلوم . والجواب أن المعلوم قسمان : باق على أصله ومعلوميته لم يقع فيه ( تغيير ) بوجه ، ومعلوم غير عن وضعه وهذا منه ، كما قالوه في النسيء : فإنهم كانوا ( يؤخرون ) المحرم لصفر ويجعلونه كذلك عاما بعد عام حتى كانت حجّة أبي بكر رضي الله عنه في ذي القعدة سنة تسع ، وحجّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني حجة الوداع في ذي الحجة ولذلك قال في خطبته : " إن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والارض " فاقتضت الآية أنّ ( الحجّ ) هو الأشهر المعلومات ( الأصلية ) التي ليس فيها ذلك ( التغيير ) . ( والجواب الثاني ) بأن فائدة ذلك التنبيه على هذه الأشهر المعلومة بالحج كما هو في شرع من قبلنا هي في شرعنا . ورده ابن عرفة بأنّ اللّفظ لا يقتضى ذلك . قال ابن عرفة : فإن قلت : ما فائدة ( العدول ) عن الحقيقة إلى المجاز في الإخبار بظرف الزمان عن المصدر مثل : زيد عدل ؟ فأجاب عن ذلك بأن عادتهم يقولون : ( فائدته ) التنبيه على مفارقة الصلاة / فإن الصلاة الفائتة تقضى في غير وقتها ، والحج لا يقضى إلا في هذه الأشهر فجعلت كأنها هي نفس الحج لملازمته لها . قال ابن عطية : وأشهر الحج ، شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة ، حكاه الشيخ ابن حبيب عن الإمام مالك رضي الله عنه وترك قولين آخرين في المذهب : أحدهما : أنّه شوال وذو القعدة وذو الحجة ، والثاني أنه شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة وأيام الرمي . قوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ … } . نقل الفخر في المحصول عن أبي الدّبوسي من ( الحنفية ) : أن الفرض ما نشأ عن دليل قطعي لأنه مأخوذ من الفرض في ( الخشبة ) ، والواجب ما نشأ عن دليل ( ظني ) لأن الوجوب في اللغة السقوط . قال الله تعالى { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } ولذلك يقولون : هذا واجب وجوب السنن ولا يقولون : هذا فريضة فرض السنن . قال ابن عرفة : فإن قلت لم أعيد لفظ الحجّ مظهرا ، وهلا قيل : فمن فرضه فيهن ؟ فأجاب عن ذلك بأنه لو قيل كذلك لكان فيه عود الضمير على اللفظ لا على المعنى مثل : عندي درهم ونصفه لأن الحج الأول مطلق يصدق بصورة فيتناول حج زيد وعمرو بالتعيين الواقع منهما وحجمها القابل لأن يفعلاه . وقول الله جل جلاله : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } مقيد بحج كل واحدٍ واحدٍ بعينه ، والشخص المعين ( حجه مقيد لا ) مطلق ، فلذلك أعيد لفظ الحج مظهرا فيتناول الفرض والتطوع . قيل لابن عرفة : ما الفرق بين ( جواز تقديم ) إحرام الحجّ على أشهر الحج ومنع تقديم إحرام الصلاة على وقتها ؟ فقال : الإحرام قسمان منقطع ومستصحب ، فالمنقطع كتكبيرة الإحرام والمستصحب النية ، فالنية يصح تقديمها على الوقت لأنها لايزال حكمها منسحبا على المصلي في جميع أجزاء صلاته ولا يصح تقديم تكبيرة الإحرام لانقطاعها بالفراغ منها ، ونظيره هنا السعي ، لا يجوز تقديمه على أشهر الحج . وأما نية الإحرام والتوجه فهو مستصحب فيصح تقديمه على أشهر الحج . وفرقوا بين إحرام الصلاة وإحرام الحج بأنّ إحرام الصلاة متيسر ( لا مشقة ) فيه فامتنع تقديمه وأمر المقدم له بإعادته واعتقاد وجوبه بخلاف إحرام الحج . قوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ … } . نقل ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية عن الإمام مالك رضي لله عنه : إنّ أقل الجمع اثنان ، وقال الباجي في الفصول : المشهور عن مالك وعن أصحابه أن أقل الجمع ثلاثة إلا ابن خويز منداد فإنه قال أقله اثنان . واحتج الأولون بقوله : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وأجيب باحتمال أنْ يريد بالضمير الفاعل والمفعول معا ، أي الحاكم المحكوم عليه . وردّه ابن التلمساني بإلزام كون الضمير فاعلا ومفعولا في حالة واحدة فيكون مرفوعا منصوبا ، انظر المسألة الخامسة من الباب الثالث . قوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ … } . قال أبو حيان : قرأ الأعمش رفوث . قال ابن عرفة : هو إما جمع بناء على أن جمع المصدر إذا اختلفت أنواعه إما قياسا كما قال ابن عصفور أو سماعا كما قال ابن أبي الربيع وابن هشام ، وإمّا مفردا . قلت : مثل قعود ووقوف وكقولك : أقل أفولا ، ولزم لزوما ، والجمع كالحلوم وأما " رَفَثَ " فمثل قولك وَجِلَ وَجَلا وخَجل خجلا . قوله تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ … } . إن قلت : المتقدم نهي وامتثاله بالترك كما أنّ امتثال الأمر بالفعل ، فهلا عقب بأن يقال : وما تتركوا من شيء يَعْلَمَهُ اللهُ ؟ قيل لابن عرفة : نقول إن الترك فعل ؟ فقال : البحث على أنّه غير فعل . قال : وإنّما الجواب بما قال ابن الحاجب من أنّ نقيض الجلي ( جلي ) ، ونقيض الخفي خفي فالإخبار بأن الله تعالى يعلم الفعل يستلزم معرفته نقيض ذلك وهو الترك وإنّما عدل على التنصيص على ذلك بالمطابقة إلى دلالة الالتزام ليفيد الكلام أمرين ، وهو الحض على عدم الاقتصار على ترك ذلك فقط فيتضمن طلب تركه وطلب تعويضه بفعل الخير المحصل للثواب فإنه تعالى عالم بمن يترك ذلك ويفعل الخير فنبه على الترك والفعل .