Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 199-199)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ … } . قال أبو حيان : " ثم " قيل إنّها للترتيب في الذكر لا في الزّمان لتعذره وهذا على ( الإفاضة ) من عرفات وقيل بمعنى الواو . قال ابن عرفة : لا فرق بينهما لأن الواو كذلك هي أيضا للترتيب في الذكر فالمقدم فيها مقدم في اللفظ لا في المعنى . قيل لابن عرفة : إنّما يريد النحويون بذلك الذكر القلبي بمعنى : أنه لم يستحضر أوّلا غير ( الأول ) من المعطوفين فلذلك بدأ به فلما نطق به استحضر الآخر وهذا مستحيل في الآية . وذكر الزمخشري أن " ثُمّ " هنا لبعد ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ كما تقول : أحسن إلى الناس ثم لا تحسن الى غير كريم . قال ابن عرفة : فإن قلت : هلا ( قال ) ثم أحسن إلى الكريم فيعطف الأمر على الأمر فهو أولى من عطف النهي على الأمر . فأجاب بأنه أراد تحقيق كونها لبعد ما بين الصواب وهو الإحسان إلى الكريم والخطأ وهو الإحسان إلى غير الكريم ولو أتى بالكل أمرا لكانت " ثم " بين الجائز والأولى ( ولم ) تكن صريحة في البعد والتفاوت . ( وزاد ) أبو حيان قولين : أحدهما : أنّها للترتيب الزماني والإفاضة ( من ) جمع . والآخر : أنها على بابها من الترتيب . وفي الكلام تقديم وتأخير أي وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الألْبَاب ثم أفيضوا . قال ابن عرفة : والفرق بين القولين ( الأولين ) عندي أن يريد بقوله " ثُمّ " هنا ، قيل للترتيب في الذكر ، إنّها في هذه الآية خاصة بمعنى الواو ، وبالقول الثاني : إنها بمعنى الواو مطلقا والله أعلم . قال ابن عرفة : وعادتهم يقولون : إنّها للتراخي والمهلة فهي على بابها ، والمهلة فيها بين الذي يليها فقط والذي يليها هو معطوف على ما قبله بالواو والمشهور في الواو أنّها للجمع من غير ترتيب ولا مهلة ، فتكون الجملة الموالية لـ " ثم " مراد بها التقديم . والتقدير : " فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا هَدَاكُمْ " " ثم أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ " و { واذْكُرُا اللّه عِند المَشْعَرِ الحَرَامِ } . قال ابن عرفة : وهذا معنى سادس لم يذكروه ، وهو الذي ( ينبغي ) حمل الآية عليه . والله أعلم . وقول الله تعالى : { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } قرأ ابن جبير ( الناسي ) . أبو حيان : والألف واللاّم قيل للعهد وقيل للجنس فالعهد يريد آدم عليه السلام . ( قال ) ابن عرفة : كونها للجنس ( إما ) أن يريد النّاسِي في الحجّ أو بالإطلاق . فالنّاسي في الحج لا إفاضة له لأنه نسي الإفاضة فلا يصح أمرنا له بالإفاضة من حيث أفاض النّاس وإِن أراد الناسي مطلقا ، وهو الذي نسي غير هذا أي من حيث أفاض الذي من شأنه النسيان فباطل أيضا ، لأن ترتيب الحكم على الاسم ( المشتق ) ( يشعر ) بمناسبة معناه للحكم ، وعلته له فإذا قلت . أكرم زيدا المصلي ، فإكرامه إنما هو لصلاته لا لصدقته . قال ابن عطية : ويجوز عند بعضهم حذف الياء . قال : فأما جوازه في العربية فذكره سيبويه وأمّا جوازه مقروءاً به فلا أحفظه . قال ابن عرفة : وهذا غير صحيح كيف يقول : لا أحفظه وهو شأن الزوائد في القرآن في الاسم والفعل ، قال الله تعالى { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقال أيضا { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } فقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : " يَأْتِ " " وَنَبْغِ " بحذف الياء وصلا ووقفا . وتعقبه أبو حيان بأن سيبويه لم يجزه إلا في الشعر وجوّزه الفراء . قال ابن عرفة : وعادتهم يقولون : لم عدل في الآية عن دلالة المطابقة وهي حقيقة إلى دلالة الالتزام ، وهي مجاز ، فعبر بالإفاضة المستلزمة للوقوف ، وهلا عبر بالوقوف نفسه فيقول : ثم قفوا من حيث وقف الناس ، فما السر في ذلك ؟ قال : وعادتهم يجيبون عن ذلك بأنّ قريشا كانوا لا يخرجون من الحرم لشرفه ويرون الخروج عنه موجبا للوقوع في الإثم ، ( ويقفون بالمشعر الحرام ، فأتت الآية ردا عليهم وتنبيها على أن الخروج هنا لاينقص أجرا ولا يوقع في الإثم ) ثم إنّ الإتيان إلى المحل الشريف من المحل البعيد مُشْعِر بنهاية تعظيمه وكمال تشريفه ، فقصد التنبيه على الحكم مقرونا بعلته ، وهذا هو المذهب الكلامي عند البيانيين . ولو قيل : ثم قفوا ، لما أشعر بالانتقال والرجوع من الحل إلى الحرم بعد الخروج منه ، فعبر بالإفاضة التي من شأنها أن لاتكون ( إلا بعد ) وقوف لإشعارها بالانتقال من المحل البعيد وهو عرفة لأنه في الحل إلى هذا الحرم الشريف تكريما له وإجلالا ، فالإفاضة مستلزمة للرجوع إلى الحرم ، ومشعرة بالوقوف المستلزم للخروج من الحرمِ إلى الحل . قيل لابن عرفة : أو يجاب بأنه عبر بالإفاضة للمناسبة بينه وبين لفظه في أول الآية والله أعلم .