Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-26)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا … } قال ابن عرفة : الحياء هو ( استقباح ) فعل الشيء بحالة ما دون نقص فيه ، والاستحياء ( استقباح ) فعله لنقص فيه . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف وصف به القديم ولا يجوز عليه التغير والخوف ؟ وفي حديث سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله كريم حي يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا " أجاب أنه على سبيل التمثيل مثل تركه كتغييب العبد من العطاء بترك من يمتنع من رد المحتاج حياء منه . والمعنى هنا لا يترك ضرب المثل بالبعوض ترك من يستحي أن يتمثل بها . قال ابن عرفة : فجعله من باب العدم و ( الهلكة ) ، مثل زيد لا ( يبصر ) لا من السلب والإيجاب مِثل الحائط لا يبصر . وقال صاحب المثل السائر في قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " إنه يفهم على وجهين : إما إذا لم تفعل فعلا تستحي منه فاصنع ما شئت على سبيل التخبير والإباحة ، وإما إذا لم تتصف بالحياء لأجل جرمك وتعديك الحدود الشرعية ولم تبال ما أنت فاعل فاصنع ما شئت على سبيل التهديد والوعيد والإنذار . قال : وفسر " يَضْرِبَ " ( في الآية ) بوجهين : إما بمعنى يذكر مثلا ، وإمّا بمعنى يصوغ كضرب الصائغ الدراهم بمعنى صاغها . قال : وحكمة ضرب المثل بهذا أن لفظ القرآن صحيح فصيح فضرب الله المثل فيه ابتلاء لعباده ، فالمحق يأخذ بالقبول ، والمبطل يعانده فيه . وهذا جرى على ( السّنن ) المألوف عند ( العرب ) الفصحاء في صحيح الأمثال فحق المنصف منهم ( أن يقبل المثل ) ( وعلى ) هذا فردهم لذلك فيه ومعاندتهم فيه محض مباهتة ، وهي طريقة المغلوب إذا لم يجد ملجأ . قوله تعالى : { فَمَا فَوْقَهَا … } قيل : أي ، ما دونها ، وقيل : ما هو أعظم منها . وانتقد ابن الصائغ على ابن عصفور حدّه ( التنازع ) ( أن يتقدم اسم ويتأخر عنه عاملان ) فصاعدا ، وقال : إنّه غير جامع ، لا يتناول الأسئلة تكون فيها ثلاثة عوامل ، لأن ( الفاء ) تقتضي الجمع . ومنهم من جعلها بمعنى " أَوْ " فعلى ما قال ابن الصائغ لا يفسّر إلا بمعنى الأول ، وهو أن المراد ما دون ( البعوضة ) فيتم المثل وعلى أنّ ( الفاء ) بمعنى ( أو ) ( ويصحّ ) تفسير الفوقية بالأمرين . قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ … } وقال الزمخشري : " أما " حرف فيه معنى ( الشرط ) ولذلك / يجاب بالفاء وفائدته أنه يزيد الكلام تأكيدا . قال : وفي ( قولك ) : أما زيد فذاهب . معناه عند سيبويه مهما يكن من شيء فزيد ذاهب وتفسيره يفيد أمرين : التأكيد والشرطية . ( قال ابن عرفة : أراد أنه يفيد ملزومية الشرط للجزاء أي زيد ملازم للذهاب ، فكأنه لم يزل ذاهبا ) وفائدة دخول الفاء على " أمّا " أنّه لما تقدم ( الإخبار ) بأن الله تعالى لا يستحي أن يضرب مثلا وكان الإخبار بذلك لا يقتضي وقوع ضرب المثل بل جوازه في حقّه ، وأنّه لا يمتنع منه عقّبه ببيان أن ذلك واقع منه لقوله تعالى { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } . وعبر عن المؤمنين بالفعل تنبيها على أن من اتّصف بمطلق الإيمان يعلم ذلك فأحرى من حصل له الإيمان القوي الكامل ويستفاد من عمومه في المؤمنين أن الاعتقاد الحاصل للمقلد عِلْمٌ ( لاَ ظنّ ) وهو الصحيح عندهم . قوله تعالى : { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ … } قال ابن عرفة : الحق في القرآن كثيرا كقوله تعالى : { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } فمن يفهمه على ظاهره يعتزل لأن مذهب المعتزلة مراعاة الأصلح على قاعدة التحسين والتقبيح ، فالصواب أن يقال في تفسير " الحق " هو الأمر الثابت في نفس الأمر الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته ، أو يقال : ( إنما هو ) الثابت بدليل شرعي ، أو مدلول الكلام القديم الأزلي . قال ابن العربي في شرح الأسماء الحسنى : الحق في اللغة هو الموجودُ ويعم الاعتقاد والقول والعمل ثم قال : والمختار أن الحق ما له فائدة مقصودة ، والباطل ( ضده ) سواء كان ( موجودا ) أو معدوما قال تعالى : { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي لفائدة مقصودة وهي الثواب والعقاب لقوله تعالى : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً } وقوله تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } وانظر ما قيدته في الزمر والأحقاف والتغابن وعم . قال أبو حيان : والفاء الداخلة على جواب " أما " فحقها التقديم فيقال : أما زيد فذاهب ، لأنه هو الجواب لكنها لو قدمت للزم عليه وجود المعطوف دون المعطوف عليه . وكذا قال الفارسي وأبو البقاء وابن هشام : " أَمَّا " فيها معنى الشرط ، والفاء كذلك فكرهوا اجتماع ( حرفي ) شرط ، كما كرهوا اجتماع حرفي تأكيد . قال ابن عرفة : إِنَّمَا امتنع عندي لما فيه من إيهام الإتيان بالجزاء دون الشرط . قوله تعالى : { مِن رَّبِّهِمْ … } لم يقل من الله تنبيها على أنه رحمة منه ونعمة لهم ، ( لكونه ) نصب لهم عليه الأدلة والطرق إلى العلم به . قوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً … } الآية ( فيها ) حذف التقابل أي فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقّ مِنْ رَبِّهِمْ ويقولون ذلك بألسنتهم ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا ( مَثَلا . ويعتقدون ذلك بقلوبهم ولذلك لم يقل في الكافرين : بماذا أراد ربنا بهذا مثلا ) ويمكن أن تكون هذه الجملة في موضع الحال من الأولى ، وهو أصوب مو كونها استئنافا ، لأن ( المؤمنين ) إذا ( اعتقدوا ) أنه الحق حالة وجود المخالف والمعاند ( لهم ) فيه فأحرى أن يعتقدوا صحته مع عدم المخالف . قال ابن عرفة : وسلكوا في هذه العبارة طريق الجدل ( عند الجدليين ) لأنهم لو قالوا ذلك ( أمرنا بالرد ) عليهم ، فالضرب في رجوعهم بالمباهتة والتبكيت . ( وأتوا ) في الجواب بلفظ ظاهره الاستفهام ومعناه الإنكار كما يأتي المجادل المغلوب بلفظ ( يموه به ويحيد به ) عن الجواب . وقوله : { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } قال الزمخشري : فيه وجهان : إما أن ( ذا ) اسم موصول بمعنى الذي مرفوع على الابتداء أو خبره مع صلته ، وإما أن ( ماذا ) كلمة واحدة كلها وهي في موضع نصب بأن إذا . قال ابن عرفة : وكان ابن الحباب يحكي عن ( بعضهم ) أنه كان يقول في قوله تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ( بالرفع : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } قال : النصب في جهة المؤمنين أرجح ، والرفع للكافرين أرجح كما هو في الآية . ووجهه أنه حيده منهم عن الجواب لأن الكافرين لو نصبوا أساطير الأولين لكان المعنى أنزل ) أساطير الأولين فيكونوا مقرين بالإنزال ( وإذا ) رفعوه فيكون المعنى هو أساطير الأولين ، وحادوا عن الجواب على مقتضى السؤال والمؤمنون أجابوا على مقتضى السؤال فقالوا : أنزل خيرا فأقروا بالإنزال ، وأنه خير في نفسه ، فحصلوا المطلوب وزيادة . وكذلك ( يجيء الرفع في هذه الآية أرجح في جهة الكافرين ) ، ويحتمل أن يكون " ماذا أراد الله " في موضع الحال ، ويحتمل أن يوقف على " ماذا " . قال ابن عرفة : وَ " مَثَلا " إما تمييز أو حال ، وإما منصوب على المخالفة كما قال ابن منصور في شرح مقربه لما ( عدّ ) المنصوبات . قال ابن عطية : ومعنى كلامهم هذا الإنكار بلفظ الاستفهام . وقال الزمخشري في قولهم " مَاذَا " استرذال واستحقار . وقال ابن عرفة : ( عادة ) ابن المنير ينتقد عليه ذلك لأنه إساءة أدب لا ينبغي أن يفسر القرآن به ولا ( يحكي ) عن ( الكافرين ) في الكلام القبيح إلا ما هو نص كلامهم مثل { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } قوله تعالى : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً … } قال ابن عرفة : هذا لف ونشر لأنه لما تقدم ذكر المثل وذكر ( بعده ) الفريقين عقبه ببيان أنَّه يضل به قوما ، ويهدي به آخرين . واللَّف والنشر قسمان : موافق كقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ } ومخالف كقوله تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } قال : وحكمة ذلك في ( الجمع ) الاهتمام بمقام التخويف والإنذار ، فلذلك بدأ بأهل الشقاوة في الآيتين . وقال ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : هذه الآية إذا ( بنينا ) على ( القول ) الصحيح فإن ارتباط الدليل بالمدلول عادي وهو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ، وقد نصوا على أن الحق لا يستلزم الباطل بوجه ، وإنما يستلزم حقا مثله . وجاءت هذه الآية بعد ذكر ضرب المثل الذي جعله الله دليلا للمكلفين على صحة الرسالة ، ثم عقبه ببيان أنه دليل ( حق ثم قال : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً } ، فجعل الدليل الحق مستلزما للضلال فإذا بنينا على أن ارتباط الدليل بالمدلول عادي يكون / الحق بهذه الآية قد يستلزم الضلال كما قالوا إنه ) يستلزم الحق .