Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 34-34)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } قال : ( اختلفوا ) هل المراد السجود حقيقة أو الإيماء إليه أو الخضوع ؟ وسبب الخلاف أن الخضوع يكون بأمور ، ففسره بأقصاها وهو السجود لاستلزامه الخضوع فعبّر عن الخضوع بلوازمه وهذا ( يشبه ) ما قالوه ( في تعارض ) الحقيقة المرجوحة والمجاز ، لأن القاعدة الثابتة المقررة في أن السجود حقيقة إنما هو بوضع الجبهة في الأرض فإطلاقه ( هنا ) على الخضوع مجاز راجح استصحابا لتلك القاعدة ، وكون المراد به حقيقة هو نسبة المشبه ، لكن ( إِنْ ) نظرنا إلى ( أنّ ) هذه الأمور جعلية شرعية فنقول : إنّ الله تبارك وتعالى أمر بالسّجود لآدم ( فنأخذ ) الأمر على حقيقته والمعتزلة على ( قاعدة ) التحسين والتقبيح يقولون : إن السجود ليس حقيقة بل هو بمعنى الخضوع . ومنهم من جعله تكرمة وجعل آدم كالقبلة فكما أن الصلاة للقبلة تكرمة لها فكذلك هذا ، واحتج بعضهم بهذا أن الأنبياء أفضل من الملائكة . قال ابن عرفة : إنما يؤخذ منه تشريف آدم وتكرمته ، لا أنه أفضل وإنما يلزم ذلك لو كان السجود له لذاته . ونقل ابن عطية : أن الأكثرين على الملائكة أفضل من بني آدم وعكس الفخر الخطيب . قوله تعالى : { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ … } حكى الآمدي في شرح الجزولية قولا : بأن الاستثناء من الإثبات ليس بنفي . قال الرازي في المعالم : اتفق الناس على أن الاستثناء من الإثبات نفي واختلفوا في العكس . قلت : وحصل بعضهم فيه ثلاثة أقوال : قيل : الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات ، نفي وقيل : ليس بإثبات وليس بنفي ، وقيل : من الإثبات نفي ومن النفي ليس بإثبات . قال القرافي في شرح المحصول : ذهب بعض الأدباء إلى أن الاستثناء من الإثبات إثبات واحتج بقوله تعالى { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ } أي فلو كان نفيا لما احتيج إلى قوله " أَبَى " . وكان الشيخ ابن عبد السلام يرده بأنها أفادت أن امتناعه من السجود لم يكن لعجز ( بعذر ) ولا لأنه أكره عليه بل استكبارا وعنادا لعنه الله . وقال الآمدي : قيل أنه إثبات في الوجهين ، وقيل : نفي في / الوجهين ، وقيل : من الإثبات نفي ، ومن النفي ليس بإثبات . وقال الطيبي : إن الترتيب هنا معنوي وفي قوله : { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } باعتبار اللفظ والأمر الحسّي الوجودي . قال ابن عطية : قال جمهور المتأولين : كان من الكافرين في علم الله تعالى . قال ابن عرفة : إن أرادوا أنّه إذ ذاك كفر بهذا الفعل وكان قبل ذلك مؤمنا ( بالحسّ ) ( وكان ) كافرا في علم الله تعالى وقيل : إنه كان كافرا بالحس ، وشؤم كفره أوجب امتناعه من السجود . واختلف هل كفره عناد ( أم لا ) ؟ فمنهم من قال : يستحيل صدور المعصية من العالم حالة كونه عالما لأن العلم يقتضي ترجيح ( طرق السلامة ) ( على طريق الهلاك ) فأبطل الكفر عنادا وهي قاعدة الفخر وغيره . ومنهم من قال : إنّ كفره كان عنادا . قيل لابن عرفة : ويمكن تقرير هذا بما قالوا : من أنّ ارتباط الدليل بالمدلول هل هو عقلي أو عادي فقد يعلم الدليل ولا ينتج له العلم بالمدلول ؟ فقال : نعم ولكن ما ذكروا ( هنا ) إلا الأول . قال ابن عطية : روى ابن القاسم عن الإمام مالك رضي الله عنه إن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح ، حسد إبليس آدم وتكبر عليه ( وشح آدم في أكله من شجرة قد نهى على قربها ) . قلت : وهذا بعينه من كتاب الجامع الأول من العتبية . وقال فيه ابن رشد : الحسد من ( الذنوب ) العظام وهو أن ( يكره ) أن يرى النعمة على غيره ، ويتمنى انتقالها عنه إليه ، والغبطة أن يتمنى مثلها فقط مع بقائها عند صاحبها فالغبطة مباحة والحسد محظور قال صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء اللّيل وأطراف النهار " انتهى . والاستثناء في الآية منقطع . ومنهم من يرى الحسد على وجهين : - محظور إن كان فيه ( بغي ) . وهو أن يريد الإضرار ( بالمحسود ) بزوال النعمة عنه . - وجائز إن لم يكن معه بغي كالحسد في الخير فإنه مرغب فيه إذ لا بغي فيه والحسد في المال إن لم يكن معه بغي جاز : والشح قسمان : فالشح بالواجبات حرام ، وبالمندوبات مكروه . قال : وقوله في آدم " فَشَحّ " أي فَشح أن يأكل من ثمار الجنة التي أباح الله له الأكل منها فلم يأكل منها ( إبقاء عليها ) وشحّا بها .