Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-49)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ … } . قال ابن عرفة : معطوف على " اذْكُرُوا " ( عطف الجملة ) أو على " نِعْمَتِيَ " ( فالعامل ) فيه " اذْكُرُوا " ( المتقدم ) على الفعل في المفعول به ، أو عطف على " عَلَيْكُمْ " ( فالعامل ) فيه " أنعمت " ( عمل ) الفعل في الظرف . قلت : وهذا ( باطل ) لأن " أنعمت " في صلة الموصول فكذلك معمولها وما عطف عليه وقد ( فصل ) بينهما بأجنبي وهو { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا } قوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ … } . قال الطيبي : السّوم مفرد في اللّفظ مركّب في المعنى لأنه طلب ( البغي ) على الغير فمعناه مركب من الطلب ( والإضرار ) بالغير . قال ابن عرفة : لا يسمى هذا مركبا إنما المركب عندهم ( ما كان ) كلفظ مركب ولفظ مجمل ولفظ النسبة . ( فإنها ) لا تعقل إلا بالشيئين المناسبين . قال ابن عطية : وإنما نسب الفعل إلى ( آل فرعون وهم ) إنما فعلوه بأمره ( لمباشرتهم ذلك ) . قال الطبري : إن من أمره ظالم بقتل أحد فقتل إنه المأخوذ به ( لا ) الآمر . قال ابن عرفة : هذا هو المشهور عندنا وذكره الشيخ ابن رشد في البيان والتحصيل وأظنه في كتاب السلطان واللّخمي في ( الغصب ) وذكره ابن يونس فر فروع آخر الغصب عن ابن أبي زيد ( من أخبر لصوصا أو غاصبا بظهر رجل ، ومن قدّم رجلا إلى ظالم إنّه يغرمه مالا يجب عليه ، انظرها ) ، وفي الحج الثالث إذا دل محرم على صيد محرما أو حلالا فقتله المدلول عليه فلا شيء على الدال وإن أمر بقتله فعليه جزاء واحد وإن كان المأمور عبدا وإلاّ فلا . هذا هو المشهور . ونقل ابن يونس عن أشهب في كتاب ابن المواز : أنه إن دل محرما على صيد فقتله فعلى كل واحد منهما جزاء وإن دل حلالا فلا شيء على الدال . وقال التونسي : الصواب بأن الجزاء لئلا يبقى الصيد بلا جزاء لأنه إذا وجب ( الجزاء ) حيث يكون المدلول محرما فأحرى إذا كان حلالا وهو عكس / المشهور . وذكر ابن بشير الأول والثالث وزاد إن دل حلالا وجبت عليه ( الدية ) إذ لا يمكن إسقاطها . وإن دل حراما لم تجب لاستقلال المدلول بها فجاءت أربعة أقوال . وإن أمسك الصيد لرجل فقتله قال في المدونة : إن كان القاتل حلالا أدّاه الماسك وإن كان حراما ( أدّاه ) القاتل . وقال سحنون : لا شيء على الماسك . ابن يونس : وقال التونسي : وانظر هل يلزم على مذهب أشهب إذا دل أحد على مال رجل فأخذه ، أو على قتله فقتله ؟ فإنه يقتص منه ويغرم المال لأنه لم يتوصل إليه إلا بدلالته . قوله تعالى : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ … } كانوا أضروهم بقتل الذكور لانقطاع النسل وإحياء النساء للإذلال والمعرة وقد كانوا هم ( يكرهون ) استحياءهم خوف المعرة والإذلال . وقال في سورة إبراهيم : { وَيُذَبِّحُونَ } بالواو وهنا بغير واو . قال ابن عرفة : الجواب ( إما ) بأن العطف بالواو ( تفسير ) كما قال الشيخ ابن رشد في المقدمات في قوله تعالى : { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } وإما بأن يكون " وَيُذَبِّحُونَ " معطوفا على فعل مقدر يكون ذلك الفعل تفسير الأول ، وإلا فالقصة واحدة . فإما أن يكون الثاني هو الأول فيهما ، أو مغايرا ( له فيهما ) لأن العطف يقتضي ( المغايرة ، وعدم العطف ) يقتضي الموافقة فكيف الجمع بينهما ؟ قلت : وتقدم لنا الجواب في الختمة الثانية في سورة إبراهيم حيث قال ابن عرفة : ( وعادتهم ) يجيبون بأن ( المنّة في ) آية البقرة ( وقعت من الله تعالى ) " نَجَّيْنَاكُمْ " فأسند الفعل إلى نفسه ( والملك ) ( لكل ) الأشياء ( عنده ) حقير فلذلك أتى بالجملة " يذبحون " مفسرة للأول غير معطوفة فكأنها شيء واحد إذ لا يستعظم الأشياء إلا العاجز فالألف دينار لا قدر لها عند الغني وهي عند الفقير ( مال جليل ) . وأما سورة إبراهيم فالامتنان فيها من موسى عليه السلام لأن أول الآية ( { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } فهي حكاية صدرت من موسى لقومه ) ، فناسب المبالغة بالعطف ( فيها ) المقتضي ( للتعدد ) والمغايرة لتكثر أسباب الامتنان . قلت : وأجاب صاحب درة التنزيل بأن آية إبراهيم وقعت في خبر عطف على خبر آخر قبله وهو { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } فيبقى معنى العطف في " َيُذَبِّحُونَ " لأنه هو وما عطف عليه داخل في جملة معطوفة فالمقام مقام فصل وأما آية البقرة أخبر فيها بخبر واحد وهو إخباره عن ( نفسه ) بإنجائه بني إسرائيل فلذلك لم يعطف وأخبر في إبراهيم بخبرين معطوفين فلذلك عطف . قلت : وأيضا فالجمل المتقدمة في البقرة طلبية وهي { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ } " واتَّقُواْ " ، وجملة " يُذَبِّحونَ " خبرية فليست مشاكلة لها بخلاف في سورة إبراهيم فإنها كلها خبرية وقد نص ابن أبي الربيع على أن المشهور أنه لا يعطف الخبرية على الطلبية ولا العكس . وأجاب القاضي أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بأن هذه الآية مشتملة على استيفاء القصص ، وسورة إبراهيم على إيجاز القصص ، والأمران سائغان عند العرب قال شاعرهم : @ يرمون ( بالخطب ) الطوال وتارة ( رمي ) الملاحظ خيفة الرقباء @@ فذكر في البقرة سوء العذاب مجملا ، ( ثم ) البينة ( بذبح ) الذكور وإحياء النّساء لأن القصد الإطناب بدليل زياده { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } وأشار في السورة الأخرى بقوله : { يَسُومُونَكُمْ ( سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ) إلى جملة ما ( امتحنوا ) به من فرعون وقومه من استخدامهم وإذلالهم بالأعمال الشاقة وذبح الذكور واستحياء النساء ثم جرد منها ( أعظمها ) امتحانا ، فعطفه لأنه مغاير لما قبله فقال : " وَيُذَبِّحُونَ " إشعارا ( بشدة ) الأمر فيه ، وهو مما أجمل فيه ، كما ورد في قوله تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } خصصهما بالذكر إعلاما بمكانهما . قال ابن عرفة : فإن قلت : لم قال هنا : " نَجَّيْنَا " وفي الأعراف ( { أَنجَيْنَا ) } فالجواب : بأن القصد هنا كثرة تعداد وجوه الإنعام ( فيه ) ( فبدأ ) ب { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ( ٱعْبُدُواْ ) رَبَّكُمُ } إلى آخرها وكلها إنعام ، ثم قال : { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ } فلما كان موضع تعداد النعم ناسب التضعيف في " نَجَّيْنَاكُمْ " وأيضا فهو مناسب للتضعيف في " يُذَبِّحُونَ " الأعراف إنما فيها " يُقَتِّلُونَ " فرُوعِيَ مناسبة اللّفظ فيما بعد ، والمعنى فيما قبل ، انتهى . قال ابن عرفة : وإنما قال : " نِساؤُكُمْ " ولم يقل : ببناتكم كما قال : " أَبْنَآءَكُمْ " تسمية للشيء بما يؤول إليه ، وإشارة إلى قصدهم المعرة ، واستحقار ( بناتكم ) . قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُم بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } البلاء : إما قدر مشترك بين الخير والشر أو لفظ مشترك ، ويجيء فيه تعميم المشترك ( فيبتلى الإنسان ) بالخير ليشكر ، و ( الشر ) ليصبر . قال الله تعالى { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } قال ابن عطية : ( معناه ) الامتحان والاختبار . قال ابن عرفة : في هذه العبارة قلق ، وينبغي أن يفهم ( بما ) قال الزمخشري في غير هذا الموضع : إنه يفعل بهم فعل المختبر لأن الاختبار من لوازمه الجهل ، وهو مستحيل عن الله عز وجل .