Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 58-59)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : { يغفر لكم } بضم الياء التحتانية وفتح الفاء : أبو جعفر ونافع وجبلة . { تغفر لكم } بضم التاء الفوقانية وفتح الفاء : ابن عامر وأبو زيد عن المفضل . الباقون { نغفر } بالنون وكسر الفاء { يغفر لكم } مدغماً كل القرآن : أبو عمرو . { خطاياكم } وبابه بالإمالة : علي { قولاً غير } بالإخفاء : يزيد وأبو نشيط عن قالون ، وكذلك يخفيان النون والتنوين عند الخاء والغين سواء وسط الكلمة أو أولها . الوقوف : { خطاياكم } ( ط ) { المحسنين } ( ه ) { يفسقون } ( ه ) . التفسير : القرية مجتمع الناس من قرأت الماء في الحوض أي جمعت . وبهذا الاعتبار كثيراً ما تطلق القرية على البلدة ، والجمع القرى على غير قياس . وإنما قياسه من المعتل اللام " فعال " نحو : ركوة وركاء ، وظبية وظباء ، والنسبة إليها قروي . وهو على القياس عند يونس حيث قال : ظبوي في النسبة إلى ظبية ، وعلى خلاف القياس عند الخليل وسيبويه حيث يقولان : ظبي على مثال الصحيح . والقرية بيت المقدس ، وقيل : أريحاء من قرى الشام . أمروا بدخولها بعد التيه . والباب باب القرية ، وقيل : باب القبة التي كانوا يصلون إليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى ، أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب تواضعاً وشكراً لله تعالى . وقيل : السجود أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بإخبات وخشوع . وقيل : طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوا ودخلوا متزحفين على أوراكهم من الزحف وهو المشي على الأوراك . و { حطة } فعلة من الحط كالجلسة خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة ، أو أمرك وأصله النصب معناه : اللهم حط عنا ذنوبنا حطة ، فرفعت لإفادة الثبوت كقوله : @ شكـا إلـيّ جملـي طـول السـرى يـا جملـي ليـس إلـيّ المشتكـى صبـر جميـل فكـلانـا مبتلـى @@ الأصل صبراً أي أصبر صبراً . كان القوم أمروا أن يدخلوا الباب على وجه الخضوع ، وأن يذكروا بلسانهم التماس حط الذنوب حتى يكونوا جامعين بين ندم القلب وخضوع الجوارح والاستغفار باللسان ، وذلك أن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها ، فإذا اشتهر واحد بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب ، لا لأن التوبة لا تتم إلا به إذ الأخرس تصح توبته وإن لم يوجد منه الكلام ، بل لأجل تعريف الغير عدوله عن الذنب إلى التوبة ولإزالة التهمة عن نفسه ، وكذا من عرف بمذهب خطأ ثم تبين له الحق ، فإنه يلزمه أن يعرّف إخوانه الذين عرفوه بالخطأ عدوله عنه لتزول التهمة عنه في الثبات على الباطل ، وليعودوا إلى موالاته بعد معاداته ويحسنوا الظن به . وعن أبي مسلم الأصفهاني : أن معناه أمرنا حطة أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها . وأصل الغفر الستر والتغطية . ومعنى القراءات في { نغفر لكم } واحد ، لأن الخطيئة إذا غفرها الله تعالى فقد غفرت ، وإذا غفرت فإنما يغفرها الله . والفعل إذا تقدم الاسم المؤنث وحال بينه وبين الفاعل حائل جاز التذكير والتأنيث . والخطء الذنب قال تعالى { إن قتلهم كان خطأ كبيراً } [ الإسراء : 31 ] تقول منه خطئ يخطأ خطأً وخطأة على فعلة . والاسم الخطيئة على " فعيلة " وجمعها خطايا وأصله خطايء بياء ثم همز ، أبدلت الهمزة ألفاً فانفتحت الياء لأجلها . { وسنزيد المحسنين } المفعول الثاني محذوف للعلم به ولمكان الفاصلة أي سنزيدهم إحساناً أو ثواباً أو سعة ، وذلك أن المراد من المحسنين إما من هو محسن بالطاعة في هذا التكليف ، وإما من هو محسن بطاعات أخرى في سائر التكاليف . وعلى الأول فالزيادة الموجودة إما منفعة دنيوية ، فالمعنى أن المحسن بهذه الطاعة نزيده سعة في الدنيا ونفتح عليه قرى غير هذه القرية ، وإما منفعة دينية أي المحسن بهذا نزيده على غفران الذنوب ثواباً جزيلاً . وعلى الثاني فالمعنى أنّا نجعل دخولكم الباب سجداً وقولكم { حطة } مؤثراً في غفران الذنوب ، ثم إن أتيتم بعد ذلك بطاعات أخرى زدناكم ثواباً . ويحتمل أن يكون المراد أنهم صنفان : فمن مخطئ تصير الكلمة سبباً لغفرانه ، ومن محسن تصير سبباً لزيادة ثوابه قوله تعالى { فبدل الذين ظلموا } قال أبو البقاء : التقدير فبدلوا بالذي قيل لهم قولاً غير الذي قيل لهم . يتعدى إلى مفعولين : واحد بنفسه والآخر بالباء . والذي مع الباء يكون هو المتروك ، والذي بغير باء هو الموجود . ويجوز أن يكون " بدل " بمعنى " قال " ، لأن تبديل القول يكون بقول . والمعنى أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ولم يمتثلوا أمر الله . وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ معين وهو لفظ حطة فجاءوا بلفظ آخر ، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يأخذوا به ، كما لو قالوا مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك ، أو اللهم اعف عنا ونحو ذلك . وقيل : قالوا مكان حطة حنطة . وقيل : قالوا بالنبطية والنبط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين حطاً سمقاثاً أي حنطة حمراء استهزاء منهم بما قيل لهم ، وعدولاً عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون . وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ، فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة " وفي تكرير { الذين ظلموا } ووضع المظهر موضع المضمر ، زيادة في تقبيح أمرهم وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم ، وهو أن وضعوا غير ما أمروا به مكان ما أمروا به . والرجز العذاب . عن ابن عباس : مات بالفجأة منهم أربعة وعشرون ألفاً في ساعة واحدة . وقال ابن زيد : بعث الله عليهم الطاعون حتى مات من الغداة إلى العشي عشرون ألفاً . وقيل : سبعون ألفاً . ومعنى { من السماء } يحتمل أن يكون شيئاً نازلاً من جهة العلو كريح ونحوه ، ويحتمل أن يراد من قبل الأمر النازل من عند الله تفظيعاً لشأن العذاب . والفسق هو الخروج عن طاعة الله إلى معصيته بارتكاب الكبيرة ، فالمراد { بما كانوا يفسقون } إما الظلم المذكور وفائدة التكرار التأكيد ، وإما أن يراد أنهم استحقوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل . ونزول الرجز عليهم من السماء بالفسق الذي كانوا يفعلون قبل ذلك التبديل مستمراً إلى أوان هذا الظلم ، وهذا أظهر لزوال التكرير ، ولأن لفظة " كانوا " تنبئ عن خصلة مستمرة ، والخصلة الواحدة المعينة لا يتصور فيها الاستمرار . فلو كان المراد ذلك لقيل بما فسقوا . وربما احتج أصحاب الشافعي بقوله تعالى { فبدل الذين ظلموا } أنه لا يجوز تحريم الصلاة بلفظ التحميد والتعظيم والتسبيح ، ولا تجوز القراءة بالفارسية ، وكذا لا يجوز تبديل ما ورد به التوقيف من الأذكار بغيرها . وأجيب بأنهم إنما استحقوا الذم لتبديلهم القول إلى قول آخر يضاد معناه معنى الأول ، فلا جرم استوجبوا الذم . فأما من غير اللفظ مع بقاء المعنى فليس كذلك . ورد بأن ظاهر الآية يتناول كل من بدل قولاً بقول آخر سواء اتفق القولان في المعنى أم لم يتفقا . ( أسئلة ) لم قال في " البقرة " { وإذ قلنا } وفي " الأعراف " { وإذ قيل } لأنه صرح بالقائل في أول القرآن إزالة للإبهام ، ولأن الكلام مرتب على قوله { اذكروا نعمتي } وفي " الأعراف " لم يبق الإبهام . ولم قال ههنا { ادخلوا } وهناك { اسكنوا } ؟ لأن الدخول مقدم على السكون ، " والبقرة " مقدمة في الذكر على " الأعراف " . ولم قال في " البقرة " { فكلوا } وفي " الأعراف " { وكلوا } بالواو ؟ لما بينا في قوله { وكلا منها رغداً } . ولم قال في " البقرة " { خطاياكم } وفي " الأعراف " { خطيئاتكم } ؟ لأن الخطايا جمع الكثرة ، والخطيئات جمع السلامة للقلة ، وقد أضاف القول ههنا إلى نفسه فكان اللائق بكرمه غفران الذنوب الكثيرة ، وهناك لم يذكر الفاعل فلم يكن ذكر اللفظ الدال على الكثرة واجباً . ولمثل هذا الجواب ذكر ههنا { رغداً } ليدل على الإنعام الأتم ، ولم يذكر في " الأعراف " ، ولم قال ههنا { وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } وفي " الأعراف " بالعكس ؟ لأن الواو للجمع المطلق ، ولأن المخاطبين صنفان : محسن ومذنب . واللائق بالمحسن تقدم العبادة والخضوع ، ثم ذكر التوبة على سبيل هضم النفس وإزالة العجب . واللائق بالمسيء عكس ذلك ، ولأنه ذكر في هذه السورة { ادخلوا هذه القرية } فقدم كيفية الدخول . ولم قال في " البقرة " { وسنزيد } وفي " الأعراف " { سنزيد } ؟ لأنه في " الأعراف " ذكر امرين : قول الحطة وهو إشارة إلى التوبة ، ودخول الباب وهو إشارة إلى العبادة . ثم ذكر جزاءين أحدهما الغفران والآخر الزيادة ، فترك الواو ليفيا توزيع الجزاءين على الشرطين . وفي " البقرة " وقع مجموع المغفرة والزيادة جزاء لمجموع الفعلين ، أعني دخول الباب وقول الحطة ، فاحتيج إلى الواو وأيضاً الاتصال اللفظي حاصل في هذه السورة بين قوله { وإذ قلنا } وبين قوله { وسنزيد } بخلاف " الأعراف " لأن اللائق به في الظاهر سيزاد ، فحذف الواو ليكون استئنافاً للكلام . وما الفائدة في زيادة كلمة { منهم } في الأعراف ؟ لأن أول القصة مبني على التخصيص { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] فذكر أن منهم من يفعل ذلك ، ثم عدد صنوف إنعامه وأوامره عليهم ، فلما انتهت القصة قال { فبدل الذين ظلموا منهم } فهناك ذكر أمة عادلة وأمة جائرة فصار آخر الكلام مطابقاً لأوله ، وأما في البقرة فلم يذكر في أول الآيات تمييزاً وتخصيصاً حتى يلزم في آخر القصة مثل ذلك . لم قال في " البقرة " { فأنزلنا } وفي " الأعراف " { فأرسلنا } لأن الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر ، والإرسال يفيد تسلطه عليهم واستئصالهم بالكلية ، وذلك إنما يحدث بالآخرة . وقيل : لأن لفظ الإرسال في " الأعراف " أكثر فَرُوعي التناسب . لم قال في " البقرة " { بما كانوا يفسقون } وفي " الأعراف " { يظلمون } لأنه لما بين في البقرة كون الظلم فسقاً اكتفى بذلك البيان في " الأعراف " . وأيضاً إنهم ظلموا أنفسهم وخرجوا عن طاعة الله تعالى ، فوصفهم بالأمرين في موضعين والله أعلم .