Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-61)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : عامة القراء { اثنتا عشرة } بسكون الشين للتخفيف { عليهم الذلة } بضم الهاء والميم : حمزة وعلي وخلف وسهل ويعقوب ، وكذلك كل ما كان قبل الهاء ياء ساكنة ، وافق سهل إذا كانت قبل الياء فتحة فقط . وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم ، الباقون بكسر الهاء وضم الميم . { النبيين } وبابه بالهمزة : نافع إلا في موضعين في الأحزاب { إن وهبت نفسها للنبي } [ الأحزاب : 5 ] و { بيوت النبي } [ الأحزاب : 53 ] إلا فروي إسماعيل وقالون عنه بغير همزة . الوقوف : { الحجر } ( ط ) الحق المحذوف أي فضرب فانفجرت { عيناً } ( ط ) { مشربهم } ( ط ) { مفسدين } ( ه ) { وبصلها } ( ط ) { هو خير } ( ط ) { سألتم } ( ط ) لأن قوله { وضربت } ابتداء إخبار عما يؤل إليه حالهم { من الله } ( ط ) { بغير الحق } ( ط ) { يعتدون } ( ه ) . التفسير : جمهور المفسرين سوى أبي مسلم ، على أن هذا الاستسقاء كان في التيه ، عطشوا فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له اضرب بعصاك الحجر ، أما العصا فقال الحسن : كانت عصا أخذها من بعض الأشجار . وقيل : كانت من الجنة طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة . وأما الحجر فاللام إما للعهد والإشارة إلى حجر معلوم ، فقد روي أنه حجر طوري حمله معه وكان حجراً مربعاً له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاثة أعين ، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم وكانوا ستمائة ألف ، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلاً وقيل : أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا . وقيل : هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل ورماه بنو إسرائيل بالأدرة ففرّ به ، فقال له جبريل : يقول الله تعالى : ارفع هذا الحجر فإن لي فيه قدرة ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته . وإما للجنس أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر . وعن الحسن : لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه قال : وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة . ثم إنهم قالوا : كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة ؟ فحمل حجراً في مخلاته فحيثما نزلوا ألقاه ، وأما الصنف والشكل فقيل : كان من رخام وكان ذراعاً في ذراع . وقيل : مثل رأس الإنسان . وقيل : له أربعة أوجه كما مر ، وهذا إذا لم يعتبر الفوقاني ومقابله . وأما الضرب فقيل : كان يضربه بعصاه فينفجر ويضربه بها فييبس فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشاً ، فأوحى الله تعالى إليه : لا تقرع الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون . والفاء في قوله { فانفجرت } فاء فصيحة كما سبق في { فتاب عليكم } [ البقرة : 54 ] وفي هذا الحذف دلالة على أن موسى لم يتوقف عن اتباع الأمر ، وأنه من انتفاء الشك عنه بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به . والانفجار والانبجاس واحد ومعناه خروج الماء بسعة وكثرة . وأصل الفجر الشق ومنه الفاجر لأنه يشق عصا المسلمين بمخالفتهم . وقيل : الانبجاس خروج الماء قليلاً ، ووجه بأن الفجر في الأصل هو الشق ، والبجس الشق الضيق فلا يتناقضان كما لا يتناقض المطلق والمقيد والعام والخاص ، أو لعله انبجس أوّلاً ثم انفجر ثانياً وكذا العيون تظهر الماء قليلاً ثم يكثر لدوام خروجه ، أو لعل حاجتهم تشتد تارة فينفجر وتضعف أخرى فينبجس . { قد علم كل أناس } أي كل سبط { مشربهم } كأنه أمر كل سبط أن لا يشرب إلا من جدول معين حسماً لمادة التشاجر ، فإن العادة في الرهط الواحد أن لا يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع بين المختلفين . وهذا أيضاً من تمام النعمة عليهم ، وإنما فقد العاطف لأن قوله { قد علم } بيان وتفصيل لما أجمل في قوله { اثنتا عشرة } كأنه قيل : هذا المجموع مشاع بينهم أو مقسوم فقيل قد علم { كلوا } على إرادة القول أي وقلنا أي قال لهم موسى كلوا من المن والسلوى الذي رزقناكم بلا تعب ولا نصب ، واشربوا من هذا الماء . وقيل : إن الأغذية لا تنبت إلا بالماء ، فلما أعطاهم الماء فكأنما أعطاهم المأكول والمشروب . والعثو أشد الفساد ، و { مفسدين } قيل : نصب على الحال المؤكدة وهو ضعيف ، فإن من شرطها أن تكون مقررة لمضمون جملة اسمية . وقيل : حال منتقلة ومعناه النهي عن التمادي في حالة الإفساد ، إما مطلقاً أو مقيداً بأنه إن وقع التنازع بسبب ذلك الماء فلا تبالغوا في التنازع . ويرد على هذا القول أن الإفساد منهي عنه مطلقاً ، وهذا التفسير يقتضي أن يكون المنهي عنه هو التمادي في الإفساد لا نفس الإفساد . والصحيح أن يقال : إن المنصوبات في نحو قوله عز من قائل { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } { ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] وفي نحو قولهم " تعال جائياً وقم قائماً " من الصفات القائمة مقام المصدر نحو " أقاعداً وقد سار الركب " بقي في الآية بحث ، وهو أنه كيف يعقل خروج المياه الكثيرة من الحجر الصغير ؟ والجواب أما على القول بالفاعل المختار فظاهر فإن له أن يحدث أيّ فعل خارق شاء من غير أن يطلب له سبب وواسطة ، وأما عند طالب الأسباب والوسائط فإن العناصر الأربعة لها هيولي مشتركة عندهم . وجوّز وانقلاب صور بعضها إلى بعض ، فجاز استمداد الماء الكامن في الحجر من الهواء المجاور له ، ومثل هذا ما رواه أنس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء ، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم . قال قتادة قلت لأنس : كم كنتم ؟ قال : ثلثمائة أو زهاء ثلثمائة . بل معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم أقوى لأن نبوع الماء من الحجر معهود في الجملة ، أما نبوعه من بين الأصابع فغير معتاد ، قال أهل الإشارة : الروح الإنساني وصفاته في عالم القالب بمثابة موسى وقومه ، وإنه يستسقي ربه لإروائها من ماء الحكمة والمعرفة فيضرب بعصا لا إله إلا الله . ولها شعبتان من النفي والإثبات تتقدان نوراً عند استيلاء ظلمات النفس على حجر القلب فيتفجر اثنتا عشرة عيناً من ماء الحكمة بعدد حروف لا إله إلا الله ، قد علم كل سبط من أسباط الإنسان وهي خمس حواس ظاهرة ، وخمس باطنة مع القلب والنفس مشربهم فيستوي في حظه بحسب مشربه . قوله سبحانه { وإذ قلتم يا موسى } الآية . زعم بعض المفسرين أن هذا السؤال منهم كان معصية ، فإن اللائق بحال المكلف الصبر على ما ساقه الله تعالى إليه خصوصاً إذا كان نعمة وعفواً وصفواً ، ولا سيما إذا كان المسؤول أدون وأحقر . ولهذا أنكره موسى عليهم { قال أتستبدلون } . وقال الآخرون : إنه غير معصية لأن قوله { كلوا واشربوا } عند إنزال المن والسلوى ، وانفجار الماء أمر إباحة لا إيجاب . ثم إنهم كانوا أهل فلاحة فرغبوا إلى مألوفهم ، ورغبة الإنسان فيما اعتاده في أصل التربية وإن كان خسيساً فوق رغبته فيما لا يعتاد وإن كان شريفاً . ولعلهم سئموا من التيه فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد وغرضهم البلاد . وأيضاً المواظبة على الطعام الواحد تميت الشهوة وتضعف الهضم ، فيصح أن يكون التبديل مطلوباً للعقلاء ، ولهذا أجابهم الله تعالى إلى ما سألوا ، ولو كان معصية لم يجبهم إلى ذلك ، اللهم إلا أن يكون من قبيل { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } [ الشورى : 20 ] وإنما صح إطلاق الطعام الواحد على المن والسلوى ، لأنهم أرادوا بالوحدة نفي التبدل والاختلاف ، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها ويأكلها كل يوم لا يبدلها . قيل : لا يأكل فلان إلا طعاماً واحداً . ويجوز أن يريدوا أنهما ضرب واحد لأنهما معاً من طعام أهل التلذذ والترفه ، ونحن أهل زراعة ما نريد إلا ما ألفناه . ومعنى يخرج لنا يوجد ويظهر . والبقل ما أنبتته الأرض من الخضر كالنعناع والكرفس والكراث وغير ذلك من أطايب البقول التي يأكلها الناس عادة . والقثاء الخيار ، والفوم الثوم ، ويدل عليه قراءة عبد الله { وثومها } وهو بالعدس والبصل أوفق . وقال بعضهم : الفوم الحمص لغة شامية ، ويقال : هو الحنطة . ومنه قولهم " فوّموا لنا " أي اختبزوا . قال الفراء : هي لغة قديمة { الذي هو أدنى } أي أقرب منزلة وأدون مقداراً كقولهم في ضده " هو بعيد المحل وبعيد الهمة " يعنون الرفعة والعلو { اهبطوا مصراً } أي انحدروا إليه من التيه . يقال : هبط الوادي إذا نزل به ، وهبط منه إذا خرج . وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنسرين اثنا عشر فرسخاً في ثمانية . ومصر إما مصر فرعون ، والتنوين فيه في القراءات المعتبرة مع أن فيه العلمية والتأنيث لسكون وسطه كما في نوح ولوط ، وفيهما العلمية والعجمية . وإما مصر من الأمصار كأنه قيل لهم : ادخلوا بلداً أيّ بلد كان لتحدوا فيه هذه الأشياء . ولما ذكر الله سبحانه صنوف نعمه على بني إسرائيل إجمالاً ثم تفصيلاً ، أراد أن يبين مآل حالهم ليكون عبرة للنظار وتبصرة لأولي الأبصار وتحذيراً للإنسان عن الجحود والكفران المستتبعين للخزي والهوان فقال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } أي جعلت محيطة بهم مشتملة عليهم كالقبة المضروبة على الشخص ، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلصق به . فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة ، إما على الحقيقة وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية . وهذا من جملة الأخبار عن الغيب الدال على كون القرآن وحياً نازلاً من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم . هذا حالهم في الدنيا ، وأما حالهم في العقبى فذلك قوله { وباؤا بغضب من الله } من قولك " باء فلان بفلان " إذا كان حقيقاً بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته ، أي صاروا أحقاء بغضبه وهو إرادة انتقامه { ذلك } الذي ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والخلافة بالغضب ، بسبب كفرهم بآيات الله أي القرآن ، بل وبالتوراة لأن الكفر به مستلزم للكفر بها ، وقتلهم الأنبياء ، وقد قتلت اليهود - لعنوا - شعيباً وزكريا ويحيى وغيرهم بغير الحق أي من غير ما شبهة عندهم توجب استحقاق القتل . فإن الآتي بالباطل قد يكون اعتقده حقاً لشبهة عنت له ، وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلاً . ولا شك أن الثاني أقبح وأدخل في القحة ، أو كرر للتأكيد نحو { ومن يدع مع الله الهاً آخر لا برهان له به } [ المؤمنون : 117 ] ومحال أن يكون لمدعي الإله الثاني برهان . والنبيء بالهمزة " فعيل " بمعنى فاعل من نبأ بالتخفيف أي أخبر لأنه نبأ عن الله تعالى . قال سيبويه : ليس أحد من العرب إلا ويقول تنبأ مسيلمة بالهمز ، غير أنهم تركوا الهمز في النبي كما تركوه في الذرية والبرية والخابية إلا أهل مكة ، فإنهم يهمزون هذه الأحرف ولا يهمزون غيرها ويخالفون العرب في ذلك . وقيل : أصله من نبأت من أرض إلى أرض أي خرجت منها إلى أخرى . وهذا المعنى أراد الأعرابي بقوله " يا نبيء الله " أي يا من خرج من مكة إلى المدينة . فأنكر عليه صلى الله عليه وسلم الهمزة . وقيل : النبي بالإدغام من النبوة وهي ما ارتفع من الأرض ، أي أنه صلى الله عليه وسلم شرف على سائر الخلق " فعيل " بمعنى " مفعول " ، والجمع أنبياء . وعلى الأول إنما جمع على أنبياء لأن الهمز لما أبدل وألزم الإبدال جمع جمع ما أصل لامه حرف العلة { ذلك بما عصوا } تأكيد بتكرير الشيء بغير اللفظ الأول كقول السيد لعبده وقد احتمل منه ذنوباً سلفت منه فعاقبه عند آخرها " هذا بما عصيتني وخالفت أمري . هذا بما تجرأت علي واغتررت بحلمي " ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر والقتل على معنى انهمكوا في العصيان والاعتداء حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الآيات وقتل الأنبياء ، أو تكون الباء بمعنى " مع " أي ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا سائر أنواع المعاصي ، واعتدوا حدود الله في كل شيء . وقيل : هو اعتداؤهم في السبت . واعلم أنه سبحانه لما ذكر إنزال العقوبة بهم بين سبب ذلك أولاً بما فعلوه في حق الله وهو جهلهم به وجحدهم لنعمه ، ثم ثناه بما يتلوه في العظم وهو قتل الأنبياء ، ثم ثلثه بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير مثل الاعتداء والظلم وذلك في نهاية الترتيب . وقيل : الأول إشارة إلى متقدميهم ، والثاني إشارة إلى من كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنه تعالى بيَّن سبب ما نزل بالفريقين من البلاء والمحنة ليظهر للخلائق أن ذلك على قانون العدالة وقضية الحكمة . فإن قيل : لم قيل ههنا { ويقتلون النبيين بغير الحق } وفي " آل عمران " { ويقتلون الأَنبياءَ بغير حق } [ آل عمران : 21 ] منكراً ؟ قلت : الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل ما في قوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حق " فالحق المعرف إشارة إلى هذا ، وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم ، أي لم يكن هناك حق لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره ألبتة .