Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-20)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : { لتنذر } على الخطاب : أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وسهل ويعقوب . الباقون : على الغيبة . والضمير للكتاب { إحساناً } : حمزة وعلي وخلف وعاصم . الباقون : { حسناً } { كرهاً } في الموضعين بالفتح : أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وجبلة وهشام . الباقون : بالضم وفصله يعقوب . الآخرون { وفصاله } { أوزعني أن } بالفتح : إبن كثير غير القوّاس والنجاري عن ورش وقالون غير الحلواني { نتقبل } بالنون { أحسن } بالنصب { ونتجاوز } بالنون : حمزة وعلي وخلف وحفص . الآخرون بياء الغيبة مبنياً للمفعول في الفعلين { أحسن } بالرفع { أف } بالكسر والتنوين : أبو جعفر ونافع وحفص والمفضل . وقرأ ابن كثير بالفتح من غير تنوين . الباقون : بالكسر ولا تنوين { أتعدانني أن } بفتح الياء : أبو جعفر ونافع وقرأ هشام مدغمة النون { وليوفيهم } بالياء : ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم . الباقون : بالنون { أءذهبتم } بتحقيق الهمزتين : ابن ذكوان { آذهبتم } بالمدّ : ابن كثير ويزيد وسهل ويعقوب وهشام . الباقون : بهمزة واحدة . الوقوف : { حم } ه كوفي { الحكيم } ه { مسمى } ط { معرضون } ه { السموات } ه لانتهاء الاستفهام إلى الخطاب { صادقين } ه { غافلون } ه { كافرين } ه { مبين } ه لأن " أم " تتضمن استفهام إنكار { افتراه } ط { شيئاً } ط { فيه } ط { وبينكم } ط { الرحيم } ه { بكم } ط { مبين } ه ط { واستكبرتم } ط { الظالمين } ه { إليه } ط { قديم } ه { ورحمة } ط { للمحسنين } ه { يحزنون } ه { فيها } ج لأن { جزاء } يصلح مفعولاً له ومفعول فعل محذوف أي يجزون جزاء { يعملون } ه { إحساناً } ط { ووضعته كرهاً } ط { شهراً } ط { سنة } لا لأن ما بعده جواب " إذا " { ذرّيتي } ط للابتداء بإن مع اتحاد الكلام { المسلمين } ه { الجنة } ط لأن التقدير وعد لله وعداً صدقاً وهو مصدر مؤكد لأن قوله { نتقبل } في معنى الوعد { يوعدون } ه { الأوّلين } ه { والإنس } ط { خاسرين } ه { عملوا } ج لأن الواو تكون مقحمة ويتصل اللام بما قبله وقد يكون المعلل محذوفاً كأنه قيل : وليوفيهم أعمالهم قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم { لا يظلمون } ه ط لتقدير القول وهو العامل في يوم { بها } ج لابتداء التهديد مع الفاء { تفسقون } ه . التفسير : إنما كرر تنزيل الكتاب لأنه بمنزلة عنوان الكتب ثم ذكر ما أنزل فقال { ما خلقنا } إلى قوله { وأجل مسمى } وقد مر في أوّل " الروم " أنه الوقت الذي عينه لإفناء الدنيا . وحين بين الدليل على وجود الإله ووقوع الحشر فرع عليه الردّ على عبدة الأوثان بقوله { قل أرأيتم } وقد مر في " فاطر " . والمراد أنهم لا يستحقون العبادة أصلاً لأنهم ما خلقوا شيئاً في هذا العالم لا في الأرض ولا في السماء ، ولم يدل وحي من الله على عبادتهم لأن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك وما من كتاب قبله إلا هو ناطق بمثل ذلك . فقوله { ائتوني } من باب إرخاء العنان وتوسيع المجال على الخصم أي إن كنتم في شك مما قلت فقد أمهلتكم حتى تأتوني بعد الاستقراء { بكتاب } فيه شيء من ذلك { أو أثارة من علم } قال الواحدي : كلام أهل اللغة في تفسير هذا الحرف يدور على ثلاثة أوجه : أحدها البقية من قولهم " سمنت الناقة على إثارة من شحم " أي على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب . والثاني أنه من الأثر بمعن الرواية . والثالث من الأثر بمعنى العلامة والمراد ما بقي أو روي عن أسلافهم ويعدّونه علماً . عن ابن عباس مرفوعاً أنه الخط . قال : كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم علمه . ثم زاد في تبكيتهم وتوبيخهم بقوله { ومن أضل } الآية . وبالجملة فالدليل الأوّل دل على نفي القدرة عنهم من كل الوجوه ، وهذا الدليل دل على نفي العلم عنهم من كل الوجوه ، فإذا انتفى العلم والقدرة عن الجسم لم يكن إلا جماداً وعبادة الجماد محض الضلال . وقوله { إلى يوم القيامة } تأبيد على عادة العرب ، ويحتمل أن يكون توقيتاً بدليل قوله { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء } وهذا التبري والتخاطب نوع من الاستجابة . ثم قرر غاية عنادهم بقوله { وإذا تتلى } ثم عجب من حالهم بقوله { أم يقولون افتراه } الآية أي إن كذبت على الله كما زعمتم عاجلني بالعقوبة فلا تقدرون على دفع عذابه عني فأي فائدة لي في الافتراء . ثم فوّض أمرهم إلى الله قائلاً { هو أعلم بما تفيضون } أي تتدفعون فيه من القدح في الوحي ، وتسميته سحراً تارة وافتراء أخرى وفي قوله { وهو الغفور الرحيم } إشارة إلى أنهم لو رجعوا إلى الحق وتابوا عن الشرك قبل الله توبتهم ، وفيه إشعار بحلم الله عنهم مع عظم ما ارتكبوه . ثم أراد أن يزيل شبهتهم بنوع آخر من البيان فقال { قل ما كنت بدعاً } هو بمعنى البديع كالخف بمعنى الخفيف أي لست بأوّل رسول أرسله الله ولا جئتكم بأمر بديع لم يكن إلى مثله سابق . وفيه إن اقتراح الآيات الغريبة فيه غير موجه لأنه لا يتبع إلا الوحي وما هو إلا نذير وليس إليه أن يأتي بكل ما يقترح عليه ، وفيه أنه غير عالم بالمغيبات إلا بطريق الوحي فلا وجه لاستدعاء الغيوب عنه سواء تتعلق بأحوال الدنيا أو بأحوال الآخرة من الأحكام والتكاليف وما يؤل أمر المكلفين إليه ، وفيه أنه لا وجه لتعييره بالفقر وبأكل الطعام والمشي في الأسواق والرسل كلهم أو جلهم كانوا كذلك . قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أشتدّ البلاء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ، ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا : يا رسول الله ما رأينا الذي قلت ومتى تهاجر ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله الآية . وعنه في رواية أخرى أنه لما نزلت هذه الآية فرح المشركون والمنافقون واليهود وقالوا : كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بأمته ، فأنزل الله تعالى { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } [ الفتح : 1 ] إلى قوله { فوزاً عظيماً } [ الفتح : 5 ] فبين الله تعالى ما يفعل به وبأمته ونسخت هذه الآية . والأصح عند العلماء أنه لا حاجة إلى التزام النسخ ، فإن الدراية المفصلة غير حاصلة ، وعلى تقدير حصولها فإنه لم ينف إلا الدراية من قبل نفسه ، وما نفي الدراية من جهة الوحي . وقوله { ولا بكم } في حيز النفي ولا أدري ما يفعل بكم . و " ما " موصولة أو استفهامية ، ومحل الأولى نصب ، والثانية رفع . ثم قرر أنه لا أظلم منهم فقال { قل أرأيتم } الآية . وقد مر نظيره في آخر " حم السجدة " إلا أنه زاد ههنا حديث الشاهد وفيه أقوال : أحدها أنه عبد الله بن سلام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه وتأمله فتحقق أنه النبي المنتظر فآمن به . وعن سعد بن أبي وقاص : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزل { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } على مثل القرآن . والمعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة للقرآن من التوحيد والمعاد . وعلى هذا فقوله { على مثله } يتعلق بشاهد أي ويشهد على صحة القرآن . ويجوز أن يعود الضمير في { مثله } إلى المذكور وهو كونه من عند الله ، فيكون الجار متعلقاً بـ { شهد } قال جار الله : الواو الأخيرة عاطفة { لاستكبرتم } على { شهد } وأما الواو في { وشهد } فقد عطفت جملة قوله { وشهد } إلى آخره على جملة قوله { كان من عند الله وكفرتم به } والمعنى أخبروني إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله وإيمانه به مع استكباركم عنه ، ألستم أضل الناس وأظلمهم ؟ يدل على هذا الجواب المحذوف قوله { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } قلت : هذا كلام حسن . ويجوز أن يكون قوله { واستكبرتم } معطوفاً على قوله { فآمن } . ويجوز أن يكون الواو في { وشهد } للحال بإضمار " قد " . قال : وقد جعل الإيمان في قوله { فآمن } مسبباً عن الشهادة لأنه لما علم أن مثله أنزل على موسى وأنصف من نفسه اعترف بصحته وآمن . القول الثاني ما ذكر الشعبي في جماعة أن السورة مكية وقد أسلم ابن سلام بالمدينة ، فالشاهد هو موسى وشهادته هو ما في التوراة من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانه تصديقه ذلك . القول الثالث أن الشاهد ليس شخصياً معيناً وتقدير الكلام لو أن رجلاً منصفاً عارفاً بالتوراة أقر بذلك واعترف به ثم آمن بمحمد واستكبرتم أنتم ، ألم تكونوا ظالمين ضالين ؟ والمقصود أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب هو من عند الله ، وثبت بشهادة الثقات أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ثبوت هذين الأمرين كيف يليق بالعاقل إنكار نبوته ؟ ثم ذكر شبهة أخرى لهم وهي أنهم قالوا { للذين آمنوا } أي لأجلهم وفي حقهم { لو كان } ما أتى به محمد { خيراً ما سبقونا إليه } وقيل : اللام كما في قولك " قلت له " . وضعف بأنه لو كان كذلك لقيل ما سبقتمونا إليه . وأجيب بأنه وارد على طريقة الالتفات ، أو المراد أن الكفار لما سمعوا أن جماعة آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبوا جماعة من المؤمنين الحاضرين بأنه لو كان هذا الدين خيراً لما سبقنا إليه أولئك الغائبون . قال المفسرون : لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع : لو كان ما دخل فيه هؤلاء من الدين خيراً ما سبقونا إليه ، ونحن أرفع منهم حالاً وأكثر مالاً وهؤلاء رعاة الغنم . وقيل : قاله أغنياء قريش للفقراء المؤمنين كعمار وصهيب وابن مسعود . وقيل : هم اليهود قالوه عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه . والعامل في قوله { وإذ لم يهتدوا به } محذوف وهو ظهر عنادهم وذلك أن " إذ " للمضي ، والسين للاستقبال وبينهما تدافع . والإفك القديم كقولهم أساطير الأوّلين . وقيل : كذب ككذب عيسى عليه السلام قوله { ومن قبله كتاب موسى } خبر ومبتدأ وقوله { إماماً } أي قدوة يؤتم به في أصول شرائع الله ، نصب على الحال كقولك " في الدار زيد قائماً " . وقوله { لساناً عربياً } حال من ضمير الكتاب في { مصدّق } أي لما بين يديه وهو العامل فيه ويجوز أن يكون حالاً من { كتاب } لأنه موصوف والعامل معنى الإشارة . وجوز أن يكون مفعولاً { لصدّق } على حذف المضاف أي يصدّق ذا لسان عربي هو الرسول . قوله { وبشرى } معطوف على محل { لتنذر } لأنه مفعول له . وحين قرر دلائل التوحيد والنبوة وذكر شبه المنكرين مع أجوبتها ، أراد أن يذكر طريقة المحقين فقال { إن الذين قالوا } الآية . وقد مر في " حم السجدة " إلا أنه رفع واسطة الملائكة ههنا من البين . ثم إن أعظم أنواع الاستقامة كان هو الشفقة على خلق الله ولا سيما على الوالدين فلذلك قال { ووصينا } الآية . وقد مرّ في " الروم " و " لقمان " . والكره بالضم ، والفتح المشقة أي ذات كره أو حملاً ذاكره . والفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى ، والمقصود بيان مدّة الرضاع . ولما كان منتهياً بالفصال صح التعبير عن آخر الرضاع بالفصال ، والفائدة فيه الدلالة على الرضاع التام المنتهي بالفصال . وقد يستدل من هذه الآية ومن قوله { والوالدت يرضعن أولادهن حولين كاملين } [ البقرة : 233 ] أن مدة الحمل ستة أشهر . وعن عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فرفعت إليه فأمر برجمها ، فأخبر علياً رضى الله عنه بذلك فمنعه محتجاً بالآية فصدّقه عمر وقال : لولا عليّ لهلك عمر . قال جالينوس : إني كنت شديد الفحص عن مقادير أزمنة الحمل فرأيت امرأة ولدت في المائة والأربع والثمانين ليلة . وزعم أبو علي بن سينا أنه شاهد ذلك . وذكر أهل التجارب قاعدة كلية قالوا : إن لتكوّن الجنين زماناً مقدّراً ، فإذا تضاعف ذلك الزمان تحرك الجنين ، ثم إذا انضاف إلى المجموع مثلاه انفصل الجنين . وعلى هذا فلو تمت خلقة الجنين في ثلاثين يوماً فإذا أتى عليه مثل ذلك أي تصير مدة علوقه ستين تحرك ، فإذا انضاف إلى هذا المقدار مثلاه وهو مائة وعشرون وصار المبلغ مائة وثمانين انفصل ، ولو تمت خلقته في خمسة وثلاثين يوماً تحرك في سبعين وانفصل في مائتين وعشرة وهو سبعة أشهر ، ولو تمت خلقته في أربعين تحرك في ثمانين وانفصل في مائتين وأربعين وهو ثمانية أشهر ، وقلما يعيش هذا المولود إلا في بلاد معينة مثل مصر ، وقد مرّ هذا المعنى في هذا الكتاب . ولو تمت في خمسة وأربعين تحرك في تسعين وأنفصل في مائتين وسبعين وهي تسعة أشهر وهو الأكثر ، أما أكثر مدّة الحمل فليس يعرف له دليل من القرآن . وذكر أبو علي بن سينا في كتاب الحيوان من الشفاء في الفصل السادس من المقالة التاسعة ، أن امرأة ولدت بعد الرابع من سني الحمل ولداً قد نبتت أسنانه وعاش . وعن أرسطا طاليس أن زمان الولادة لكل الحيوان مضبوط سوى الإنسان . هذا وقد روى الواحدي في البسيط عن عكرمة أنه قال : إذا حملت تسعة أشهر أرضعته أحداً وعشرين شهراً . وعلى هذا قوله { حتى إذا بلغ أشدّه } أكثر المفسرين كما مر في آخر " الأنعام " وأوّل " يوسف " و " القصص " . على أن وقت الأشد هو زمان الوصول إلى آخر سن النشوء والنماء وهو ثلاث وثلاثون سنة تقريباً ، وإن في الأربعين يتم الشباب وتأخذ القوى الطبيعية والحيوانية في الانتفاص ، والقوّة العقلية والنطقية في الاستكمال ، وهذا أحد ما يدل على أن النفس غير البدن ومن جملة الكمال أنه حينئذ يقول { رب أوزعني } أي ألهمني ووفقني كما مر في " النمل " . قال علماء المعاني : قوله { في ذرّيتي } كقوله " يجرح في عراقيبها نصلي " فكأنه سأل أن يجعل ذرّيته موقعاً للصلاح ومظنة له . وقوله { أحسن ما عملوا } إما بمعنى الحسن أو المراد الواجب والندب دون المباح . وقوله { في أصحاب الجنة } في موضع الحال أي معدودين فيهم . عن ابن عباس وجم غفير من المفسرين أن الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق ، وفيه أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير ، وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم ، ولم يكن أحد من الصحابة المهاجرين والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبي بكر . قالوا : ومما يؤيد هذا القول أنه سبحانه حكى عن ذلك الإنسان أنه قال بعد أربعين سنة رب أوزعني الخ . ومعلوم أنه ليس كل إنسان قد يقول هذا القول . والأظهر أن هذا عام لهذا الجنس ، وأن الإنسان قد يقول هذا القول ولا أقل من أن يكون وارداً على طريقة الإرشاد والتعليم . سلمنا ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قوله { والذي قال } مبتدأ خبره { أولئك } والمراد بالذي جنس القائل فلذلك أورد الخبر مجموعاً . ويجوز أن يكون الخبر عاماً في القائل وفي أمثاله فيندرج فيه القائل . وقيل : تقديره واذكر الذي ومن القائل . عن الحسن وقتادة : هو الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث . وذهب السدّي إلى أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وأنه كان يقول { لوالديه أف لكما } وهي كلمة تضجر وتبرم كما مر في " سبحان " و " الأنبياء " { أتعدانني أن أخرج } من القبر { وقد خلت القرون من قبلي } فلم يرجع أحدهم { وهما } يعني أبويه { يستغيثان الله } أي بالله فحذف الجار وأوصل الفعل والمراد يسألانه أن يوفقه للإيمان ويقولان له { ويلك آمن } بالله وبالبعث . والمراد بالدعاء عليه الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك . قال السدّي : فاستجاب الله دعوة أبي بكر فيه فأسلم وحسن إسلامه ولما أسلم نزل فيه { ولكل درجات مما عملوا } وأكثر المفسرين ينكرون هذا القول لأنه سبحانه قال فيه { أولئك الذين حق عليهم القول } كائنين { في أمم } إلى آخره . وأن عبد الرحمن لم يبق كافراً بل كان من سادات المسلمين . وروي عن عائشة إنكاره إيضاً . وذلك أنه حين كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ابن أبي العاص بأن يبايع الناس ليزيد ، ردّ عليه عبد الرحمن وقال مروان : يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه { والذي قال لوالديه } فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه . ثم ميز حال المؤمن من حال الكافر بقوله { ولكل } أي من الجنسين { درجات } من جزاء ما عملوا فغلب أهل الدرجات على أهل الدركات ، أو الدرجات هي المراتب متصاعدة أو متنازلة ، والباقي واضح مما مرّ . والاستكبار عن قبول الحق ذنب القلب ، والفسق عمل الجوارح ، والأوّل أولى بالتقديم لعظم موقعه . وقد يحتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بالفروع . قال مؤلف الكتاب : والأشياء الطيبة اللذيذة غير منهي عنها لقوله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } [ الأعراف : 32 ] ولكن التقشف وترك التكلف دأب الصالحين لئلا يشتغل بغير المهم عن المهم ، ولأن ما عدا الضروري لا حصر له وقد يجر بعضه بعضاً إلى أن يقع المرء في حدّ البعد عن الله . وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعاً فقال : " أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر البيت كما تستر الكعبة ؟ قالوا : نحن يومئذ خير . قال : بل أنتم اليوم خير . " وعن عمر لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكنني أستبقي طيباتي لأن الله وصف قوماً فقال { أذهبتم طيباتكم } وعنه أن رجلاً دعاه إلى طعام فأكل ثم قدّم شيئاً حلوا فامتنع وقال : رأيت الله نعى على قوم شهواتهم فقال { أذهبتم } الآية . فقال الرجل : اقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها { ويوم يعرض الذين كفروا } ولست منهم فأكل وسرّه ما سمع . والتحقيق أن المراد هو أنه ما كتب للكافر حظ من الطيبات إلا الذي أصابه في دنياه ، وليس في الآية إن كل من أصاب الطيبات في الدنيا فإنه لا يكون له منها حظ في الآخرة والله أعلم بالصواب .