Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 19-38)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات : { وتقطعوا } بالتخفيف من القطع : سهل ويعقوب . والآخرون : بالتشديد من التقطيع { وأملى لهم } مبنياً للمفعول ماضياً : أبو عمرو ويعقوب { وأملى } مضارعاً مبنياً للفاعل : سهل ورويس . الباقون : ماضياً مبنياً للفاعل { إسرارهم } بكسر الهمز على المصدر : حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد { وليبلونكم حتى يعلم } { ويبلوا } بالياءات : أبو بكر وحماد . الآخرون : بالنون في الكل . وقرأ يعقوب { ونبلو } بالنون مرفوعاً { السلم } بكسر السين : حمزة وخلف وأبو بكر وحماد . الوقوف : { والمؤمنات } ط { ومثواكم } ه { نزلت سورة } ج للشرط مع الفاء { القتال } لا { الموت } ط للابتداء بالدعاء عليهم { لهم } ه ج لاحتمال أن يكون الأولى بمعنى الأقرب كما يجيء { معروف } قف { الأمر } ز لاحتمال أن التقدير فإذا عزم الأمر كذبوا وخالفوا { خيراً لهم } ه ج لابتداء الاستفهام مع الفاء { أرحامكم } ه { أبصارهم } ه { أقفالها } ه { الهدى } لا لأن الجملة بعده خبر " إن " { سوّل لهم } ط لأن فاعل { وأملى } ضمير اسم الله ويجوز الوصل على جعله حالاً وقد أملى ، أو على أن فاعله ضمير الشيطان من حيث أنه يمنيهم ويعدهم ، والوقف أجوز واعزم . والحال على قراءة { وأملى } بفتح الياء أجوز والوقف به جائز ، ومن سكن الياء فالوقف به أليق لأن المستقبل لا ينعطف على الماضي . ومع ذلك لو جعل حالاً على تقدير وأنا أملي جاز { لهم } ه { الأمر } ج لأن ما بعده يصلح استئنافاً وحالاً والوقف أجوز لأن الله يعلم الأسرار في الأحوال كلها { إسرارهم } ه { وأدبارهم } ه { أعمالهم } ه { أضغانهم } ه { بسيماهم } ط للابتداء بما هو جواب القسم { القول } ط { أعمالكم } ه { والصابرين } ط لمن قرأ { ونبلو } بسكون الواو أي ونحن نبلو { أخباركم } ه { الهدى } لا لأن ما بعده خبر " إن " { شيئاً } ط { أعمالهم } ه { أعمالكم } ه { لهم } ه { إلى السلم } قف قد قيل : على أن قوله { وأنتم } مبتدأ ، وجعله حالاً أولى { الأعلون } قف كذلك { أعمالكم } ه قف { ولهو } ط { أموالكم } ه { أضغانكم } ه { سبيل الله } ج لانقطاع النظم مع الفاء { من يبخل } ج لابتداء الشرط مع العطف { عن نفسه } ط { الفقراء } ه للشرط مع العطف { غيركم } لا للعطف { أمثالكم } ه . التفسير : لما ذكر حال الفريقين المؤمن والكافر من السعادة والشقاوة قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : فاثبت على ما أنت عليه من التوحيد ومن هضم النفس باستغفار ذنبك أو ذنوب أمتك . أو المراد فاعلم خبراً يقيناً على ما علمته نظراً واستدلالاً . أو أراد فاذكر لا إله إلا الله . والهاء في { أنه } لله أو للأمر والشأن ، أو الأول إشارة إلى أصول الحكمة النظرية ، والثاني إلى أصول الحكمة العملية ، أمره بالحكمة العملية بعد الحكمة النظرية . عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فتلا هذه الآية . وذلك أنه أمر بالعمل بعد العلم . والفاءات في هذه الآية وما تقدّمها لعطف جملة على جملة بينهما اتصال . وفي الآية نكتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال ثلاث : حال مع الله وهي توحيده ، وحال مع نفسه وهي طلب العصمة من الذنوب وأن يستر الله عليه جنس الآثام حتى لا يقع فيها ، وحال مع غيره وهي طلب ستر الذنوب عليهم بعد وقوعهم فيها أو أعم ويندرج فيها الشفاعة . ثم قال { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } فقيل : التقلب في الأسفار والمثوى في الحضر . وقيل : أراد منتشركم في النهار ومستقركم بالليل . وقيل : الأوّل في الدنيا والثاني في الآخرة . وقيل : لكل متقلب مثوى فيتقلب من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ثم إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم إلى الجنة أو النار . والمقصود بيان كمال علمه بحال الخلائق فعليهم أن لا يهملوا دقائق الطاعة والخشية ويواظبوا على طلب المغفرة خوفاً من التقصير في العبودية . ثم ذكر طرفاً آخر من نصائح أهل النفاق ومن ينخرط في سلكهم من ضعفة الإسلام ، وذلك أنهم كانوا يدّعون الحرص على الجهاد ويقولون بألسنتهم { لولا نزلت } سورة في باب القتال { فإذا أنزلت سورة محكمة } مبينة غير متشابهة لا تحتمل النسخ { وذكر فيها القتال } عن قتادة : كل سورة ذكر فيها القتال فهي محكمة وهي أشدّها على المنافقين . قال أهل البرهان : نزل بالتشديد أبلغ من أنزل فخص بهم ليكون أدل على حرصهم فيكون أبلغ في أبلغ في باب التوبيخ . قوله { فأولى لهم } كلمة تحذير أي وليك شر فاحذره . هذه عبارة كثير من المفسرين . وقال المبرد : يقال للإنسان إذا كاد يعطب ثم يفلت : أولى لك . أي قاربت العطب ثم نجوت . وهو في الفرقان على معنى التحذير . وقال جار الله : هو وعيد معناه فويل لهم والمراد الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه . وقيل : أراد طاعة وقول معروف أولى من الجزع عند الجهاد فلا يكون للوعيد ، وعلى هذا فلا وقف على { لهم } كما أشير إليه في الوقف . واعترض عليه بأن الأفصح أن يستعمل وقتئذ بالباء لا مع اللام كما قال { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } [ الأنفال : 75 ] والأصح أنه فعل متعدٍ من الولي وهو القرب أي أولاه الله المكروه فاقتصر لكثرة الاستعمال . ويحتمل أن يكون " فعلى " من آل يؤل أي يؤل أمرك إلى شر فاحذره . ثم حثهم على الامتثال بقوله { طاعة وقول معروف } أي طاعة الله وقول حسن أو ما عرف صحته خير من الجزع عند فرض الجهاد فهو مبتدأ محذوف الخبر ، أو أمرنا طاعة فيكون خبر مبتدأ محذوف كما مر في سورة النور في قوله { طاعة معروفة } [ الآية : 53 ] ويجوز أن يكون أمراً للمنافقين أي قولوا طاعة وقول معروف . { فإذا عزم الأمر } أي جدّ وصار معزوماً عليه وهو إسناد مجازي لأن العزم لأصحاب أمر القتال . ثم التفت وخاطب كفار قريش بقوله { فهل عسيتم } هو من أفعال المقاربة وقد مر وجوه استعمالاته في " البقرة " في قوله { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } [ الآية : 216 ] فنقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب ليكون أبلغ في التوبيخ ومعناه هل يتوقع منكم { إن توليتم } وأعرضتم عن الدين أو توليتم أمور الناس { أن تفسدوا في الأرض } بالمعاصي والافتراق بعد الاجتماع على الإسلام { وتقطعوا أرحامكم } بالقتل والعقوق ووأد البنات وسائر ما كنتم عليه في الجاهلية من أنواع الإفساد ، وفي سلوك طريقة الاستخبار المسمى في غير القرآن بتجاهل العارف ، إمالة لهم إلى طريق الإنصاف وحث لهم على التدبر وترك العصبية والجدال ، فقد كانوا يقولون كيف يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال والقتال إفناء لذوي أرحامنا وأقاربنا ، فعرض الله سبحانه بأنهم إن ولوا أمور الناس أو أعرضوا عن هذا الدين لم يصدر عنهم إلا القتل والنهب وسائر أبواب المفاسد كعادة أهل الجاهلية . ثم صرح بما فعل الله بهم واستقر عليه حالهم فقال { أولئك الذين لعنهم الله } بعدهم عن رحمته . ثم بين نتيجة اللعن قائلاً { فأصمهم } أي عن قبول الحق بعد استماعه وهذا في الدنيا { وأعمى أبصارهم } أي في الآخرة أو عن رؤية الحق والنظر إلى المصنوعات . قال بعض العلماء : إنما لم يقل فأصم آذانهم لأن الأذن عبارة عن الشحمة المعلقة ، والسمع لا يتفاوت بوجود وعدمها ، ولذلك يسمع مقطوع الأذن . وأما الرؤية فتتعلق بالبصر نفسه ، فالتأكيد هناك إنام يحصل بترك ذكر الأذن وههنا بذكر الأبصار والله أعلم . قال جار الله : يجوز أن يريد بالذين آمنوا المؤمنين الخلص الثابتين وذلك أنهم كانوا يأنسون بالوحي . فإذا أبطأ عليهم التمسوه ، فإذا نزلت سورة في معنى الجهاد رأيت المنافقين يضجرون منها . سؤال : لما أثبت لهم الصمم والعمى فكيف وبخهم بقوله { أفلا يتدبرون القرآن } ؟ وأجيب على مذهب أهل السنة بأن تكليف ما لا يطاق جائز . ويمكن أن يقال : لما أخبر عنهم بما أخبر حكى أنهم بين أمرين : إما أن لا يتدبروا القرآن لأن الله أبعدهم عن الخير ، وإما أن يدبروا لكن لا يدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة . قال جار الله : إنام نكرت القلوب لأنه أريد البعض وهو قلوب المنافقين أو أريد على قلوب قاسية مبهم أمرها . وإنما أضيفت الأقفال إلى ضمير القلوب لأنه أريد الأقفال المختصة بها وهي أقفال الكفر والعناد التي استغلقت فلا تنفخ . ثم أخبر عن حال المنافقين أو اليهود الذين غيروا حالهم من بعد ما تبين لهم حقيقة الإسلام أو نعت محمد في التوراة فقال { إن الذين ارتدوا } الآية . { ذلك } الإملاء أو الإضلال أو الارتداد بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا أي قال اليهود للمنافقين ، أو قال المنافقون ليهود قريضة والنضير ، أو قاله اليهود أو المنافقون للمشركين { سنطيعكم في بعض الأمر } الذي يهمكم كالتظافر على عداوة محمد والقعود عن الجهاد معه أو في بعض ما تأمرون به ، وهو ما يتعلق بتكذيب محمد لا في إظهار الشرك واتخاذ الأصنام وإنكار المعاد { والله يعلم أسرارهم } فلذلك أفشى الذي قالوه سراً فيما بينهم وسيجازيهم على حسب ذلك يدل عليه قوله { فكيف } يعملون وما حيلتهم حين توفتهم ملائكة الموت { يضربون وجوههم وأدبارهم } التي كانوا يتقون أن يصيبها آفة في القتال ، أو يضربون وجوههم عند الموت وأدبارهم عند السوق إلى النار . وقيل : يضربون وجوههم عند الطلب وأدبارهم حين الهرب { ذلك } الإذلال والإهانة { بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه } كأنهم ضربوا وجوههم لأنهم أقبلوا على مواجب السخط ، وضربوا أدبارهم لأنهم أعرضوا عما فيه رضا الله . وقد يخص السخط بكتمان نعت الرسول ومعاونة أهل الشرك والرضا بالإيمان به والنصرة للمؤمنين . وإنما قال { ما أسخط الله } ولم يقل " ما أرضى الله " لأن رحمته سبقت غضبه ، فالرضا كالأمر الحاصل والإسخاط كالأمر المترتب على شيء . ثم زاد في تعيير المنافقين بقوله { أم حسب } وهي منقطعة . والضغن إضمار سوء يتربص به إمكان الفرصة . وإخراج الإضغان إبرازها للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين كما قال { ولو نشاء لأريناكهم } أي لو شئنا أريناك أماراتهم { فلعرفتهم } كررت لام جواب " لو " في المعطوف لأجل المبالغة { بسيماهم } بعلامتهم . عن أنس أنه ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من المنافقين ، ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة منهم يشكوهم الناس فناموا ذات ليلة وأصحبوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب " هذا منافق " . ومعنى لحن القول نحوه وأسلوبه وفحواه أي يقولون ما معناه النفاق كقولهم { لئن رجعنا إلى المدينة } [ المنافقون : 8 ] { إن بيوتنا عورة } [ الأحزاب : 13 ] أو لتعرفنهم في فحوى كلام الله حيث قال ما يعلم منه حال المنافقين كقوله { ومن الناس من يقول } [ البقرة : 8 ] { ومنهم من عاهد الله } [ التوبة : 75 ] وحقيقة اللحن ذهاب الكلام إلى خلاف جهته . وقيل : اللحن أن تميل كلامك إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال : @ ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا واللحن يعرفه ذوو الألباب @@ ويقال للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب . وقال الكلبي : لحن القول كذبه . ولم يتكلم بعد نزولها منافق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عرفه . وعن ابن عباس هو قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا من العقاب { والله يعلم أعمالكم } فيميز خيرها من شرها وإخلاصها من نفاقها { ولنبلونكم } أي لنأمرنكم بما لا يكون متعيناً للوقوع بل يحتمل الوقوع واللاوقوع كما يفعل المختبر حتى يظهر المجاهد والصابر من المنافق والمضطرب . { ونبلو أخباركم } التي تحكي عنكم كقولكم { آمنا بالله وباليوم الآخر } [ البقرة : 8 ] أو عهودكم كقوله { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } [ الأحزاب : 15 ] أو أسراركم أو ما ستفعلونه أو أخباركم الأراجيف كقوله { والمرجفون في المدينة } [ الأحزاب : 60 ] عن الفضل أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا . ثم أنزل في اليهود من قريظة والنضير أو في رؤساء قريش المطعمين يوم بدر { إن الذين كفروا } الآية . وأعمالهم طاعاتهم في زمن اليهودية ، ومكايدهم التي نصبوها في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو إطعامهم . ثم أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله بالتوحيد والتصديق مع الإخلاص وأن لا يبطلوا إحسانهم بالمعاصي والرياء وبالمن والأذى . عن أبي العالية قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون إنه لا يضر مع " لا إله إلا الله " ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت الآية ، فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم . وعن قتادة : رضي الله عن عبد لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء . ثم أراد أن يبين أن أعمال المكلف إذا بطلت فإن فضل الله باقٍ يغفر له إن شاء ما لم يمت على الكفر فقال { إن الذين كفروا } الآية . قال مقاتل : نزلت في رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن والده وقال : إنه كان محسناً في كفره . وعن الكلبي : نزلت في رؤساء أهل بدر . { فلا تهنوا } لا تضعفوا ولا تجبنوا { وتدعوا إلى السلم } أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح . ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار " أن " بعد الواو في جواب النهي { وأنتم الأعلون } الغالبون المستولون عليهم { والله معكم } بالنصرة والكلاءة { ولن يتركم أعمالكم } أي لن ينقصكم جزاء أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً من ولد أو أخ أو قريب أو سلبت ماله وأصله من الوتر وهو الفرد ، كأنك أفردته من قريبه أو ماله . وفي الحديث " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " وهو من فصيح الكلام . ثم زادهم حثاً على الجهاد بتحقير الدنيا في أعينهم وبأنه سبحانه إنما يحثهم على الإيمان والجهاد وسائر أبواب التقوى لتعود فائدتها عليهم كما قال " خلقتكم لتربحوا عليّ لا لأربح عليكم " قوله { ولا يسألكم أموالكم } أي كل أموالكم ولكنه يقتصر منها على ربع العشر ، أو لا يسألكم أموالكم لنفسه ولكن لتكون زاداً لكم في المعاد . وقيل : لا يسألكم أموالكم رسولي لنفسه . وقيل : إنهم لا يملكون شيئاً وإن المال مال الله وهو المنعم بإعطائه . والقول هو الأوّل لقوله { إن يسألكموها فيحفكم } أي يجهد كم يبلغ الغاية فيها من أحفى شاربه استأصله كأنه جعله حافياً مما في ملكه أي عارياً { تبخلوا ويخرج } الإحفاء أو الله تعالى على طريق التسبب { أضغانكم } أي تضطغنون على الرسل وتظهرون كراهة هذا الدين . ثم بين أنه كيف يأمركم بإخراج كل المال وقد دعاكم إلى إنفاق البعض { فمنكم من يبخل } و " ها " للتنبيه وكرر مع أولاء للتوكيد وأنتم أولاء جملة مستقلة أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون . ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا وما وصفنا فقيل { تدعون لتنفقوا في سبيل الله } وهو الزكاة أو الغزو ، فمنكم ناس يبخلون به . وقيل : { هؤلاء } موصول صلته { تدعون } وهو مذهب الكوفيين وقد سلف في " البقرة " و " آل عمران " . ثم قبح أمر البخل بقوله { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } أي وباله على نفسه أو عن داعي ربه . قال في الكشاف : يقال بخلت عليه وعنه . وفيه نظر لأن البخل عن النفس لا يصح بهذا التفسير . نعم لو قال عن ماله كان تفسيره مطابقاً . ثم مدح نفسه بالغنى المطلق وبين بقوله { وأنتم الفقراء } أنه لا يأمر بالإنفاق لحاجته ولكن لفقركم إلى الثواب . ثم هددهم بقوله { وإن تتولوا } وهو معطوف على { وإن تؤمنوا } ومعنى { يستبدل قوماً غيركم } يخلق قوماً سواكم راغبين فيما ترغبون عنه من الإيمان والتقوى كقوله { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } [ فاطر : 61 ] ومعنى " ثم " التراخي في الرتبة أي لا يكونون أشباهكم في حال توليكم . وقيل : في جميع الأحوال . وعن الكلبي : شرط في الاستبدال توليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل قوماً وهم العرب أهل اليمن أو العجم . قاله الحسن وعكرمة لما روي أو رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال : هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس والله تعالى أعلم .