Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 6-7)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالَىٰ : { ٱهْدِنَا } : رغبة ؛ لأنها من المربوب إلى الرب ، وهكذا صيغ الأمر كلها ، فإِذا كانت من الأعلى ، فهي أَمْرٌ . والهِدَايَةُ ؛ في اللغة : الإرشادُ ، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسِّرون بغير لفظ الإِرشاد وكلها إِذا تأملت راجِعةٌ إلى الإرشاد ، فالهدى يجـيء بمعنى خَلْقِ الإيمان في القلب ، ومنه قوله تعالَىٰ : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } [ البقرة : 5 ] و { يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النور : 46 ] ، و { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ } [ الأنعام : 125 ] الآية ، قال أبو المعالي : فهذه الآيات لا يتجه جلها إلا على خلق الإيمان في القلب ، وهو محض الإرشاد . وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء ؛ كقوله تعالى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [ الرعد : 7 ] أي : داع { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . وقد جاء الهُدَىٰ بمعنى الإِلهام ؛ من ذلك قوله تعالىٰ : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] . قال المفسِّرون : ألهم الحيواناتِ كلَّها إِلى منافعها . وقد جاء الهُدَىٰ بمعنى البيان ؛ من ذلك قوله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } [ فصلت : 17 ] قال المفسِّرون : معناه : بيَّنَّا لهم . قال أبو المعالي : معناه : دعوناهُمْ ، وقوله تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [ الليل : 12 ] ، أي : علينا أنْ نبيِّن . وفي هذا كله معنى الإِرشاد . قال أبو المعالي : وقد ترد الهدايةُ ، والمراد بها إِرشاد المؤمنين إِلى مسالك الجِنَانِ والطرقِ المفضيةِ إِلَيْهَا ؛ كقوله تعالى في صفة المجاهدين : { فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } [ محمد : 4 - 5 ] ومنه قوله تعالَىٰ : { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 23 ] ، معناه : فٱسلكوهم إِليها . قال : * ع * : وهذه الهدايةُ بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا ، وهي ضدُّ الضلالِ ، وهي الواقعة في قوله تعالَىٰ : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ؛ على صحيح التأويلات ، وذلك بيِّن من لفظ « الصِّرَاط » والصراط ؛ في اللغة : الطريقُ الواضِحُ ؛ ومن ذلك قول جَرِيرٍ : ( الوافر ) @ أَمِيرُ المُؤْمِنيِنَ عَلَىٰ صِرَاطٍ إِذَا ٱعْوَجَّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ @@ واختلف المفسِّرون في المعنى الذي استعير له « الصِّراط » في هذا الموضع : فقال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه : الصراط المستقيم هنا القرآنُ ، وقال جابرٌ : هو الإِسلام ، يعني الحنيفيَّة . وقال محمَّد بن الحنفيَّة : هو دينُ اللَّه الذي لا يَقْبَلُ مِن العِبَادِ غيره . وقال أبو العالية : هو رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بَكْر وعمر ، أي : الصراط المستقيم طريقُ محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، وهذا قويٌّ في المعنى ، إلاَّ أنَّ تسمية أشخاصهم طريقاً فيه تجوُّز ، ويجتمع من هذه الأقوال كلِّها أنَّ الدعوة هي أنْ يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين في معتقداته ، وفي التزامه لأحكام شرعه ، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام ؛ وهو حالُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبيه . وهذا الدعاء إِنما أمر به المؤمنون ، وعندهم المعتقدات ، وعند كل واحد بعض الأعمال ، فمعنى قوله : { ٱهْدِنَا } فيما هو حاصل عندهم : التثبيتُ والدوام ، وفيما ليس بحاصل ، إِما من جهة الجهل به ، أو التقصير في المحافظة عليه : طلب الإِرشاد إِليه ، فكلُّ داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله ، وأفعاله ، ومعتقداته ؛ واختلف في المشار إِليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم ، وقول ابن عبَّاس ، وجمهور من المفسِّرين : أنه أراد صراط النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالِحِين ، وانتزعوا ذلك من قوله تعالَىٰ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } الآية [ النساء : 66 ] إلى قوله : { رَفِيقاً } وقوله تعالَىٰ : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالِّينَ } ، اعلم أنَّ حكم كل مضافٍ إلى معرفة أنْ يكون معرفة ، وإنما تنكَّرت « غَيْرٌ » و « مِثْلٌ » مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما ، وذلك إِذا قلْتَ : رأيتُ غَيْرَكَ ، فكلُّ شيء سوى المخاطَبِ ، فهو غيره ؛ وكذلك إِنْ قُلْتَ : رأيْتُ مثْلَكَ ، فما هو مثله لا يحصى ؛ لكثرة وجوه المماثلة . و { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } : اليهودُ ، والضالُّون : النصَارَىٰ ؛ قاله ابن مسعود ، وابن عَبَّاس ، مجاهد ، والسُّدِّيُّ ، وابن زيد . وروَىٰ ذلك عديُّ بن حاتم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك بيِّن من كتاب اللَّه ؛ لأنَّ ذِكْرَ غضَبِ اللَّه على اليهود متكرِّر فيه ؛ كقوله : { وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 112 ] { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّنْ ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ ٱللَّهِ … } الآية [ المائدة : 60 ] وغضب اللَّه تعالى ، عبارة عن إظهاره عليهم محناً وعقوباتٍ وذِلَّةً ، ونحو ذلك ممَّا يدلُّ على أنه قد أبعدهم عن رحمته بُعْداً مؤكَّداً مبالغاً فيه ، والنصارَىٰ كان محقِّقوهم على شِرْعَةٍ قبل ورود شرعِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فلما ورد ، ضلُّوا ، وأما غير متحقِّقيهم ، فضلالتهم متقرِّرة منذ تفرَّقت أقوالهم في عيسى عليه السلام ، وقد قال اللَّه تعالَىٰ فيهم : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَنْ سَوَاءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] . وأجمع الناسُ على أنَّ عدد آي سورة الحمد سبْعُ آيات ؛ العالمين آية ، الرحيم آية ، الدين آية ، نستعين آية ، المستقيم آية ، أنعمت عليهم آية ، ولا الضالين آية ، وقد ذكرنا عند تفسير { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ؛ أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيفٌ . ( القَوْلُ فِي « آمِينَ » ) رَوَىٰ أبو هريرة وغيره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذَا قَالَ الإِمَامُ : { وَلاَ ٱلضَّالِّينَ } ؛ فَقُولُوا « آمِينَ » ، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ فِي السَّماءِ تَقُولُ : « آميِنَ » ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " . * ت * : وخرج مسلم وأبو داود والنسائيُّ من طريق أبي موسَىٰ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، ثُمَّ ليُؤمَّكُمْ أَحَدُكُمْ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا قَالَ : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالِّينَ } فَقُولُوا : « آمِينَ » ، يُجِبْكُمُ اللَّهُ " الحديثَ . انتهى . ومعنى « آمِينَ » ؛ عند أكثر أهل العلم : اللَّهُمَّ ، ٱسْتَجِبْ ، أو أجبْ يَا رَبِّ . ومقتضى الآثار أنَّ كل داع ينبغي له في آخر دعائه أنْ يقول : « آمِينَ » ، وكذلك كل قارىء للحمدِ في غير صلاة ، وأما في الصلاة ، فيقولها المأموم والفَذُّ ، وفي الإمام في الجهر اختلاف . واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ " ، فقيل : في الإجابة ، وقيل : في خلوص النية ، وقيل : في الوقت ، والذي يترجَّح أنَّ المعنى : فمن وافق في الوقْتِ مع خلوصِ النيةِ والإِقبالِ على الرغبة إِلى اللَّه بقلْبٍ سليمٍ فالإِجابة تتبع حينئذ ؛ لأِنَّ من هذه حاله ، فهو على الصراط المستقيم . وفي « صحيح مُسْلِمٍ » وغيره عن أبي هريرة قال : سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ؛ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، فَنِصْفُهَا لِي ، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، قَالَ اللَّهُ ؛ حَمِدَنِي عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ اللَّهُ : أَثْنَىٰ عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، فَإذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : ٱهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ، قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " انتهى ، وعند مالك : « فَهَؤُلاَءِ لِعَبْدِي » . وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن نافعٍ عن ٱبْنِ عُمَرَ قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ ، فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " انتهى من « تَارِيخِ بَغْدَاد » ولم يذكر في سنده مَطْعَناً . وقال ابن العربيِّ في « أحكامه » : والصحيحُ عندي وجوبُ قراءتها على المأمومِ فيما أسر فيه ، وتحريمها فيما جهر فيه ، إذا سمع الإِمام لِمَا عليه من وجوب الإِنصاتِ والاِستماعِ ، فإِنْ بَعُدَ عن الإِمام ، فهو بمنزلة صلاة السرِّ . انتهى . نجز تفسير سورة الحَمْدِ ، والحَمْدُ للَّه بجميع محامده كلِّها ؛ ما علمْتُ منها ، وما لم أَعْلَمْ .