Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 62-64)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { أَلآ إِنَّ أَوْلِيَاءَ ٱللَّهِ … } الآيةُ : « أَلا » استفتاحٌ وتنبيهٌ ، و { أَوْلِيَاءَ ٱللَّهِ } : هم المؤمنون الذينَ وَالوهُ بالطاعةِ والعبادةِ ، وهذه الآية يُعْطِي ظاهرُها أَنَّ مَنْ آمَنَ واتقَى اللَّه ، فَهُوَ داخلٌ في أولياء اللَّه ، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعةُ في الوَلِيِّ ، " وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ سُئِلَ ، مَنْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : « الَّذِينَ إِذَا رَأَيْتُهُمْ ذَكَرْتَ اللَّه » " . قال : * ع * : وهذا وصفٌ لازِمٌ للمتَّقِين ؛ لأنهم يَخْشَعُونَ ويُخَشِّعُونَ ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أَنَّهُ قَالَ : " أَوْلِيَاءُ اللَّه قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ ، وَاجْتَمَعُوا في ذَاتِهِ ، لَمْ تَجْمَعْهُمْ قَرَابَةٌ وَلاَ مَالٌ يَتَعَاطَوْنَهُ " وروى الدارقطنيُّ في « سننه » عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ قَالَ : " خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ، ذُكِرَ اللَّهُ ، وَشَرُّ عِبَادِ اللَّهِ المَشَّاؤونَ بِالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ ، البَاغُونَ للْبُرَآءِ العَيْبَ " انتهى من « الكوكب الدُّرِّيِّ » . وقوله : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يعني : في الآخرةِ ، ويحتملُ في الدنيا لا يخافُونَ أَحداً من أَهل الدنيا ، ولا من أعراضها ، ولا يحزنون على ما فاتهم منها ، والأولُ أظهر ، والعمومُ في ذلك صحيحٌ : لاَ يَخَافُونَ في الآخرة جملةً ، ولا في الدنيا الخَوْفَ الدُّنْيَوِيَّ . وذكر الطبريُّ عن جماعة من العلماء مثْلَ ما في الحديثِ في الأولياء ؛ أنهم هُمُ الَّذِينَ إِذَا رَآهُمُ أَحَدٌ ، ذَكَرَ اللَّهَ ، وروي فيهم حديث ؛ " أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ قَوْمٌ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ وَيُجْعَلُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَتُنِيرُ وُجُوهُهُمْ ، فَهُمْ في عَرَصَاتِ القِيَامَةِ لاَ يَخَافُونَ وَلاَ يَحْزَنُون " وروى عمر بن الخطاب ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَاداً مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغبُطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ ؛ لَمَكَانَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ ، قَالُوا : وَمَنْ هُمُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ ، وَلا أَمْوَالٍ … " الحديثَ ، ثم قرأَ : { أَلآ إِنَّ أَوْلِيَاءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . * ت * وقد خرَّج هذا الحديثَ أبو داود والنسائيُّ ، قال أبو داود في هذا الحديث : فَوَاللَّهِ ، إِنَّ وجوههم لَنُورٌ ، وإِنهم لَعَلَى نُورٍ ، ذكره بإِسنادٍ آخر . انتهى . ورواه أيضاً ٱبْنُ المبارك في « رقائقه » بسنده ، عن أبي مالك الأشعريِّ ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ عَلَى النَّاس ، فَقَالَ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ ٱسْمَعُوا وَٱعْقِلُوا ، وَٱعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَاداً لَيْسُوا بَأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ ، يَغْبُطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : انْعَتْهُمْ لَنَا ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَقَالَ : « هُمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ ، وتَصَافَوْا فيهِ ، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُوراً وَثِيَابَهُمْ نُوراً ، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُمْ لاَ يَفْزَعُونَ ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " . انتهى . وقوله تعالى : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ … } الآية : أَمَّا بشرَى الآخرة ، فهي بالجنَّةِ ؛ بلا خلاف قولاً واحداً ، وذلك هو الفَضْل الكبير ، وأَمَّا بُشْرَى الدنيا ، فَتَظاهَرَت الأَحاديث من طرق ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهَا " الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ " ، وقال قتادة والضَّحَّاك : البُشْرَى في الدنيا : هِيَ ما يُبَشَّرُ به المؤمنُ عِنْد موته ، وهو حَيٌّ عند المعاينة ، ويصح أنْ تكون بُشْرَى الدنيا ما في القرآن من الآيات المبشِّرات ؛ ويقوَّى ذلك بقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } ، ويؤوَّل قوله صلى الله عليه وسلم : « هِيَ الرُّؤْيَا » أنه أعطَى مثالاً يعمُّ جميع الناس . وقوله سبحانه : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } : يريد : لا خُلْفَ لمواعيده ، ولا رَدَّ في أمره ، وقد أخذ ذلك ابنُ عُمَرَ علَى نحو غَيْرِ هذا ، وجَعَلَ التبديلَ المنفيَّ في الألفاظ ، وذلك أنَّه روي أَنَّ الحجاج خَطَبَ ، فَقَالَ : أَلاَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْر قَدْ بَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : إِنَّكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ أَنْتَ ، وَلاَ ٱبْنُ الزُّبَيْرِ ؛ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ، وقد رُوِيَ هذا النظرُ عن ابن عباس في غيرِ مُقَاوَلَةِ الحَجَّاجِ ، ذكره البخاريُّ .