Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 14-21)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } ، لهذه الآية تأويلان : أحدهما : أنْ تكون المخاطبةُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم للكفَّار ، أي : ويكون ضميرُ { يَسْتَجِيبُواْ } ؛ على هذا التأويل عائداً على معبوداتهم . والثاني : أن تكون المخاطبةُ من اللَّه تعالَى للمُؤمنين ، ويكون قوله ؛ على هذا { فَٱعْلَمُواْ } بمعنى : دُومُوا علَى عِلْمِكُم قال مجاهد : قوله تعالى : { فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } : هو لأصحابِ محمَّد عليه السلام . وقوله سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا … } الآية : قالت قتادةُ وغيره : هي في الكَفَرة ، وقال مجاهد : هي في الكفرة وأهْلِ الرياءِ من المؤمنين . وإليه ذهب معاويَةُ ، والتأويل الأول أَرْجَحُ ؛ بحسب تقدُّمِ ذكْرِ الكفَّار ، وقال ابنُ العربيِّ في « أحكامِه » : بل الآية عامَّة في كلِّ من ينوي غيْرَ اللَّهِ بِعَمَلِه ، كان معه إيمان أو لم يكُنْ ، وفي هذه الآية بيانٌ لقوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّمَا الأَعمْالُ بِالنِّيَّاتِ وإِنَّما لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مَا نَوَى " ، وذلك أنَّ العبد لا يُعْطَى إِلا عَلَى وَجْهٍ قَصدَهُ ، وبحُكْم ما ينعقدُ في ضَمِيرِهِ ، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه . وقوله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } : قيل : ذلك في صحَّة أبدانهم وإِدرَارِ أرزَاقهم ، وقيل : إِن هذه الآية مطْلَقةٌ ، وكذلك التي في « حۤم عۤسۤقۤ » : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [ الشورى : 20 ] الآية إِلى آخرها ، قيَّدتْهما وفسَّرتْهما الآيةُ التي في « سورة سُبْحانَ » ، وهي قوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ … } الآية [ الإِسراء : 18 ] ، فأخبر سبحانه أَنَّ العبدِ ينوي ويريدُ ، واللَّه يحكُمُ ما يريدُ ، ثم ذكر ابنُ العربيِّ الحديثَ الصحيحَ في النَّفَرِ الثلاثة الذين كَانَتْ أعمالهم رياءً ، وهم رَجُلٌ جمع القرآن ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه ، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ ، وقولَ اللَّهِ لكلِّ واحدٍ منهم : « مَاذَا عَمِلْتَ ؟ » ثم قال في آخر الحديث : ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيَّ ، وَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ ، ثُمَّ قرأ قوله تعالى : { أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلأَخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } ، أي : في الدنيا وهذا نصٌّ في مراد الآية ، واللَّه أعلم . انتهى . و { حَبِطَ } : معناه : بَطَلَ وسَقَط ، وهي مستعملةٌ في فَسَاد الأعمال . قال * ص * : قوله : { مَا صَنَعُواْ } : « ما » بمعنى : « الَّذِي » ، أو مصدريةٌ ، و « فيها » : متعلِّقٌ بـــ « حَبِطَ » ، والضمير في « فيها » عائدً على الآخرة ، أي : ظهر حبوطُ ما صَنَعُوا في الآخرة ، أَو متعلِّق بـــ « صَنَعُوا » ؛ فيكون عائداً على الدنيا . انتهى . و « الـــ { بَاطِلٌ } : كُلُّ ما تقتضي ذاتُه أَلاَّ تُنَال به غايةٌ في ثوابٍ ونحوه ، وقوله سبحانه : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } : في الآية تأويلات . قال * ع * : والراجحُ عندِي مِنَ الأقوال في هذه الآية : أَنْ يكون « أَفَمَن » للمؤمنين ، أوْ لهم وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم ، والـــ { بَيِّنَةً } : القرآن وما تضمَّن ، والـــ { شَاهِدٌ } : الإِنجيلُ ، يريد : أَو إِعجاز القرآن في قولٍ ، والضميرُ في « يتلوه » للبيِّنة ، وفي « منه » للربِّ ، والضميرُ في « قبله » للبينة أيضاً ، وغير هذا مما ذُكِرَ محتملٌ ، فإِن قيل : إِذا كان الضمير في « قَبْله » عائداً على القُرْآنِ ، فَلِمَ لَمْ يذْكَر الإِنجيل ، وهوَ قبله ، وبَيْنَه وبَيْن كتاب موسَى ؟ ، فالجوابُ : أنه خَصَّ التوراة بالذكْرِ ؛ لأنه مجمَعٌ عليه ، والإِنجيل ليس كذلك ؛ لأن اليهود تخالِفُ فيه ، فكان ٱلاستشهاد بما تقُومُ به الحجَّةُ على الجميع أولَى ، وهذا يجري مَعَ قولِ الجنِّ : { إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـٰباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } [ الأحقاف : 30 ] والأحزاب ؛ هٰهنا يُراد بهم جميعُ الأُمَمِ ، وروى سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ ، عن أبي موسَى الأَشعريِّ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنه قَالَ : " مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَلاَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ثُمَّ لاَ يُؤْمِنُ بي إِلاَّ دَخَلَ النَّار " ، قال سعيدٌ : فقلْتُ : أَيْنَ مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ حَتَّى وَجَدتُّهُ فِي هَذِهِ الآيةِ ، وَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم طَلَبْتُ مِصْدَاقَهُ في كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وقرأ الجمهورُ : « فِي مِرْيَةٍ » - بكسر الميم - ، وهو الشكُّ ، والضمير في « منه » عائدٌ على كون الكَفَرة موعدُهُم النَّارُ ، وسائر الآية بيِّن . وقوله تعالى : { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } : قالت فرقة : يُريدُ الشهداءَ مِنَ الأنبياء والملائكةِ ، وقالت فرقة : الأشهادُ : بمعنى المشاهِدِينَ ، ويريد جميعَ الخلائق ، وفي ذلك إِشادةٌ بهم وتشهيرٌ لخزيهم ، وروي في نحو هذا حديثٌ : « أَنَّهُ لاَ يُخْزَى أَحَدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ المَحْشَرَ » ، وباقي الآية بيِّن مما تقدَّم في غيرها . قال * ص * : وقوله : { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } يحتملُ أنْ يكون داخلاً في مفعولِ القولِ ، وإِليه نحا بعضُهم . انتهى . وقوله سبحانَهُ : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } : يَحْتَمِلُ وجوهاً : أَحدُها : أَنه وصف سبحانه هؤلاء الكُفَّار بهذه الصفة في الدنيا ؛ علَى معنى أَنَّهم لا يسمعون سماعاً ينتفعُونَ به ، ولا يبصُرونَ كذلك . والثاني : أنْ يكون وصفهم بذلك مِنْ أَجْلِ بِغْضَتِهِمْ في النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهم لا يستطيعُونَ أَنْ يحملوا نفُوسَهم على السَّمْعِ منه ، والنَّظَرِ إِليه . « وَمَا » ؛ في هذين الوجهين : نافيةٌ . الثالث : أنْ يكون التقديرُ : يضاعَفُ لهم العذابُ بما كانوا ، أيْ : بسبب ما كانوا ؛ فـــ « مَا » مصدريةٌ ، وباقي الآية بيِّن .