Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 9-13)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً … } الآية : « الرحمة » هنا : تَعمُّ جميع ما ينتفُعُ به مِنْ مطعومٍ وملبوسٍ وجَاهٍ وغيرِ ذلك ، و { ٱلإِنسَـٰنَ } هنا اسمُ جنْسٍ ، والمعنَى : إِن هذا الخُلُقَ في سجيَّة الإِنسان ، ثم ٱستثنى منهم الذين ردَّتهم الشرائعُ والإِيمانُ إِلى الصبْرِ والعملِ الصالحِ ، و { كَفُورٌ } هنا : مِنْ كُفْر النعمة ، والـــ { نَعْمَاءَ } : تَشْمَلُ الصحَّة والمَال ، والـــ { ضَرَّاءَ } : من الضُّرِّ ، وهو أيضاً شاملٌ ؛ ولفظة { ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّي } : يقتضي بطَراً وجهلاً أَنَّ ذلك بإِنعامٍ من اللَّه تعالى ، و { ٱلسَّيِّئَاتُ } هنا : كلُّ ما يسوء في الدنيا ، والْـــ { فَرِح } ؛ هنا : مطلق ؛ فلذلك ذُمَّ ، إِذ الفرحُ ٱنهمالُ النفْسِ ، ولا يأتي الفرحُ في القرآن ممدوحاً إِلا إِذا قيد بأنه في خَيْرٍ . وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } : ٱستثناءٌ متصلٌ ؛ على ما قدَّمنا مِنْ أَنَّ الإِنسان عامٌ يراد به الجنْسُ ؛ وهو الصواب ، ومَنْ قال : إِنه مخصوصٌ بالكافر قال : هٰهنا ٱلاستثناء منقطعٌ ، وهو قول ضعيفٌ من جهة المعنَى ، لا من جهة اللفظ ؛ لأن صفة الكُفْر لا تطلق على جميعِ الناسِ ؛ كما تقتضي لفظةُ الإِنسان وٱستثنَى اللَّه تعالى من الماشِينَ على سجيَّة الإِنسان هؤلاءِ الذين حملَتْهم الأديان على الصبْرِ على المكارِهِ ، والمثابرةِ على عبادةِ اللَّهِ ، وليس شَيْءٌ من ذلك في سجيَّة البَشَر ، وإِنما حمل على ذلك خَوْفُ اللَّه وحبُّ الدَّارِ الآخرة ، والصبْرُ على العملِ الصالحِ لا يَنْفَعُ إِلاَّ مع هداية وإِيمانٍ ، ثم وعد تعالَى أهْلَ هذه الصفة بالمَغْفِرةِ للذُّنُوبِ والتفضُّلِ بالأجرِ والنَّعِيمِ . وقوله سبحانه : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } : سَببُ هذه الآية : أَنَّ كفَّار قريش قالوا : يا محمَّد ، لو تركْتَ سبَّ آلهتنا ، وتسفيه آبائنا ، لَجَالَسْناك وٱتَّبَعْنَاكَ ، وقالوا له : ٱئْتِ بِقُرآن غيرِ هذا أو بدِّله ، ونحو هذا من الأقوال ، فخاطب اللَّه تعالَى نبيَّه عليه السلام على هذه الصورة من المخاطَبَة ، ووقَّفَهُ بها توقيفاً رَادًّا علَى أقوالهم ومبطلاً لها ، وليس المعنَى أنَّه عليه السلام هَمَّ بشيء من ذلك ، فَزُجِرَ عنه ، فإِنه لم يُرِدْ قطُّ تَرْكَ شيء مما أوحِيَ إِليه ، ولا ضَاقَ صدْرُهُ به ، وإِنما كان يَضِيقُ صدره بأقوالهم وأفعالهم وبُعْدِهِم عن الإِيمان . قال * ص ، وع * : وعبَّر بـــ { ضَآئِقٌ } وإِن كان أقلَّ ٱستعمالاً من « ضَيِّقٍ » لمناسبة { تَارِكٌ } ؛ ولأن { ضَآئِقٌ } وصفٌ عارضٌ ؛ بخلاف « ضيق » ؛ فإِنه يدل على الثبوت ، والصَّالحُ هنا الأولُ بالنسبة إِليه صلى الله عليه وسلم ، والضمير في « به » عائدٌ على البعْضِ ، ويحتمل أن يعود على « ما » و { أَن يَقُولُواْ } أي : كراهةَ أنْ يقولوا ، أو لئلاَّ يقولوا ، ثم آنسه تعالَى بقوله : { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } ، أي : هذا القدْرُ هو الذي فُوِّضَ إِليك ، واللَّه تعالَى بَعْدَ ذلك هو الوكيلُ الممضي لإِيمان من شاء ، وكُفْرِ من شاء { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } : « أم » بمعنى : « بل » ، وٱلافتراء أَخصُّ من الكذبِ ، ولا يستعملُ إِلا فيما بَهَتَ به المرءُ وكَابَر . وقوله سبحانه : { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } تقدَّم تفسير نظيرها ، وقال بعضُ الناس : هذه الآية متقدِّمة على التي في يُونُسَ ؛ إِذْ لا يصحُّ أَنْ يعجزوا في واحدةٍ ، ثم يكلَّفوا عشراً . قال * ع * : وقائلُ هذا القولِ لم يَلْحَظْ ما ذكَرْناه مِنَ الفَرْقِ بين التكْليفين ، في كمال المماثَلَةِ مرةً كما هو في « سورة يونس » ، ووقوفها على النظْمِ مرَّة كما هو هنا ، وقوله : { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } : يريد في أَنَّ القُرآن مفترًى .