Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 108-111)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى ٱللَّهِ … } الآية : إِشارةٌ إِلى دَعْوة الإِسلام والشريعة بأسرها ، قال ابن زَيْد : المعنى هذا أمري وسُنَّتي ومِنْهاجي والـــ { بَصِيرَةٍ } : ٱسْمٌ لمعتقد الإِنسان في الأمْر من الحقِّ واليقين . وقوله : { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } : يحتمل أنْ يكون « أَنا » تأكيداً للضمير المستكنِّ في « أَدْعُوا » و « مَنْ » معطوفٌ عليه ؛ وذلك بأنْ تكون الأمَّة كلُّها أُمَرَتْ بالمعروف داعية إِلى اللَّه الكَفَرَةَ والعُصَاة . قال * ص * : ويجوزُ أنْ يكون « أَنا » مبتدأ ، و « على بصيرة » خَبرٌ مقدَّم ، و « مَنْ » معطوفٌ عليه انتهى ، { وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ } تنزيهٌ للَّه ، أي : وقل : سبحانَ اللَّهِ متبرِّياً من الشِّرْك . وقوله سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم … } الآية : تتضمَّن الردَّ على من ٱستغرب إِرسَالَ الرُّسُل من البَشَرِ ، و { ٱلْقُرَىٰ } : المُدُن . قال الحسن : لم يَبْعَثِ اللَّه رسولاً قطُّ من أهْل البادية . قال * ع * : والتَّبَدِّي مَكْرُوه إِلا في الفتْنَة ، وحين يُفَرُّ بالدين ، ولا يعترضُ هذا بِبُدُوِّ يعقوب ؛ لأن ذلك البُدُوَّ لم يكُنْ في أهْل عمودٍ ، بل هو بتَقَرٍّ ، وفي منازلَ ورَبوع ؛ وأيضاً إِنما جعله بُدُواً بالإِضافة إِلى مصْر ؛ كما هي بناتُ الحَوَاضِر بَدْوٌ بالإِضافة إِلى الحواضر ، ثم أحال سبحانه على ٱلاعتبار في الأمم السالفة ، ثم حَضَّ سبحانه على الآخرة ، وٱلاستعداد لها بقوله : { وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ خَيْرٌ … } الآية . قال * ص * : { وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ } : خرَّجه الكوفيُّون على أنَّه من إِضافة الموصُوفِ لصفته ، وأصله : « ولَلدَّارُ الآخِرَةُ » ، والبصريُّون على أنه من حَذْف الموصوف ، وإِقامة صفته مُقَامَهُ ، وأصله : « ولَدَارُ المُدَّةِ الآخِرَةِ أو النَّشْأَةِ الآخِرَةِ » . انتهى . ويتضمَّن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ؛ أن الرسلَ الذين بعثهم اللَّهُ مِنْ أهْل القُرَى ، دَعَوْا أممهم ، فلم يؤمنوا بهم ، حتى نزلَتْ بهم المَثُلاَتُ ، فصاروا في حَيِّز مَنْ يُعْتَبَرُ بعاقبته ، فلهذا المضمَّن حَسُنَ أَنْ تدخل « حتى » في قوله : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : « وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا » - بتشديد الذال - ، وقرأ الباقون : « كُذِبُوا » - بضم الكاف ، وكسْر الذال المخفَّفة ، فأما الأولى ، فمعناها أنَّ الرسل ظَنُّوا أن أممهم قَدْ كَذَّبتهم ، و « الظَّنُّ » ؛ هنا : يحتملُ أنْ يكون بمعنى اليَقِينِ ، ويحتمل أنْ يكون الظَّنُّ على بابه ، ومعنى القراءة الثانية ؛ على المشهور من قول ابن عباس وابنِ جُبَيْر : أي : حتَّى إِذا استيأس الرسُلُ من إِيمان قومِهِم ، وظَنَّ المُرْسَلُ إِليهم أَنَّ الرسُلَ قد كَذَبُوهُمْ فيما ٱدعَوْهُ من النبوَّة ، أو فيما توعَّدوهم به من العذاب ، لما طال الإِمهال ، وٱتصلَتِ العافيةُ ، جاءهم نَصْرنا ، وأسند الطبريُّ أنَّ مسلم بن يَسَارٍ ، قال لسعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه ، آيةٌ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مبلغٍ : « حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ » ؛ فهذا هو الموت أَنْ تظنَّ الرسُلُ أنهم قد كُذِبوا - مخفَّفة - ، فقال له ابن جُبَيْر : يا أبا عبد الرحمٰنِ ، إِنما يَئِسَ الرسُلُ مِنْ قومِهِم ؛ أنْ يجيبوهم ، وظَنَ قومهم أن الرسل قد كَذَبَتْهُمْ ، فقام مُسْلِم إِلى سعيدٍ ، فٱعتنقه ، وقال : فَرَّجْتَ عني ، فَرَّجَ اللَّهُ عنك . قال * ع * : فرضِيَ اللَّهَ عَنْهم ، كيف كَانَ خُلُقُهُمْ في العِلْمِ ، وقال بهذا التأويل جماعةٌ ، وهو الصَّواب ، وأما تأويلُ مَنْ قال : إِن المعنى : وظَنُّوا أنهم قد كَذَبَهُمْ مَنْ أخبرهم عن اللَّه ، فغير صحيحٍ ، ولا يجوزُ هذا على الرسُلِ ، وأين العَصْمة والعِلْم . * ت * : قال عِيَاضٌ : فإِن قيل : فما معنَى قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } ؛ على قراءة التخفيف ؟ قُلْنَا : المعنى في ذلك ما قَالَتْهُ عائشةُ رضي اللَّه عنها مَعَاذَ اللَّهِ ، أنْ تَظُنَّ الرُّسُلُ ذَلِكَ بِرَبِّهَا ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ ، لَمَّا استيأسُوا ، ظَنُّوا أَنَّ مَنْ وعدهم النصْرَ مِنْ أتباعهم ، كَذَبُوهم ؛ وعلى هذا أكثرُ المفسِّرين ، وقيل : الضمير في « ظَنُّوا » عائدٌ على الأتباع والأممِ ، لا على الأنبياء والرسل ؛ وهو قول ابن عباس والنَّخَعِيِّ وابنِ جُبَيْر وجماعةٍ ، وبهذا المعنى قرأ مجاهدٌ : « كَذَبُوا » بالفَتْح ، فلا تَشْغَلْ بالك مِنْ شَاذِّ التفسير بسواه ممَّا لا يليقُ بمَنْصِب العلماء ، فكَيْفَ بالأنبياء ، انتهى من « الشفا » . وقوله سبحانه : { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } : أي : بتعذيب أممهم الكافرة . { فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ } : أي : من أتباع الرسلِ . { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } : أي : الكافرين ، و « البَأْسُ » : العذاب . وقوله سبحانه : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ } : أي : في قصص يوسُفَ وإِخوته وسائِرِ الرسلِ الذين ذُكِرُوا على الجملة ، ولَمَّا كان ذلك كلُّه في القرآن ، قال عنه : { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ } ، و { ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } التوراةُ والإِنجيلُ ، وباقي الآية بيِّن واضحٌ . * ت * : كنت في وَقْتٍ أَنْظُرُ في « السيرة » لابْنِ هِشامٍ ، وأتأمَّل في خُطْبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهي أوَّلُ خُطْبة خَطَبَها بالمَدِينَةِ ، فإِذا هاتف يقولُ : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ } ، وقد كانَ حَصَلَ في القَلْبِ عِبْرَةٌ في أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وأفاضِل أصحابه ، رضي اللَّه عنهم أجمعين ، وسلك بنا مَنَاهِجَهُمُ المَرْضيَّة ، والحمد للَّه ، وسَلاَمٌ على عباده الذين اصطفى وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد ، وعلى آله وصَحْبه وسلَّم تسليماً .