Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-34)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَـٰهَا عَن نَّفْسِهِ } : { نِسْوَةٌ } : جمع قلَّة ، وجمعُ التكثير نساءٌ ، ويروَى أنَّ هؤلاء النسوة كُنَّ أربعاً : ٱمرأةٌ خبَّازَة ، وٱمرأةٌ ساقية ، وٱمرأةٌ بَوَّابة ، وٱمرأةٌ سَجَّانة ، والعزيزُ : المَلِك ، والفَتَى : الغلام ، وعُرْفُه في المملوك ، ولكنَّه قد قيل في غير المملوك ؛ ومنه : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَـٰهُ } [ الكهف : 60 ] ، وأصل الفتى ، في اللغة : الشَّابُّ ، ولكن لما كان جُلُّ الخَدَمَةِ شَبَاباً ، ٱستعير لهم ٱسْمُ الفتَى ، و { شَغَفَهَا } : معناه بَلَغَ حتَّى صار مِنْ قلبها موضِعَ الشِّغافِ ، وهو ؛ على أكثر القولِ : غِلاَفٌ من أغشية القَلْبِ . وقيل : الشِّغاف : سويداءُ القَلْبِ . وقيل : الشِّغَافُ : داءٌ يصلُ إِلى القلب . { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } ؛ ليحضُرْن . { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَكَأً } : أي : أعَدَّتْ ويَسَّرت ما يُتَّكَأُ عليه من فُرُشٍ ووسَائِد وغَيْرِ ذلك ، وقرأ ابن عباس وغيره : « مُتْكاً » - بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف - ، واختلف في معناها ، فقيل : هو الأُتْرُنْجَ ، وقيل : هو اسمٌ يعمُّ جميع ما يُقْطَعُ بالسِّكِّين ، وقولها : { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } : أمر ليوسف ، وأطاعها بحسب المُلْك . وقوله : { أَكْبَرْنَهُ } : معناه : أعظمنْهُ وٱستهْوَلْنَ جَمَاله ، هذا قولُ الجمهور . { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } : أي : كَثَّرْنَ الحَزَّ فيها بالسَّكَاكين ، وقرأ أبو عمرو وحده : « حاشَى للَّهِ » ، وقرأ سائر السبعة : { حَاشَ لِلَّهِ } ، فمعنى « حَاشَ للَّهِ » : أي : حاشَى يوسُفَ ؛ لطاعته للَّه ، أو لمكانه من اللَّهِ أنْ يرمَى بِمَا رَمَيْتِهِ به ، أوْ يدعَى إِلى مثله ، لأَنَّ تلْكَ أفعال البشر ، وهو لَيْسَ منهم ، إِنما هو مَلَكٌ ، هكذا رتَّب بعضهم معنَى هذا الكلامِ على القراءَتَيْنِ ، وقرأ الحسنُ وغيره : « مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ » - بكسر اللام من « مَلِك » ؛ وعلى هذه القراءة ، فالكلامُ فصيحٌ : لَمَّا ٱسْتَعْظَمْنَ حُسْنَ صورته ، قُلْنَ ما هذا مما يَصْلُح أنْ يكون عبداً بشَراً ، إِنْ هذا إِلا مما يَصْلُح أنْ يكون مَلِكاً كريماً . * ت * : وفي « صحيح مسلم » من حديث الإِسراء : " ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَإِذَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم ، وإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ ، فَرَحَّبَ بِي ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ " انتهى . وقولها : { فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } : المعنى : فهذا الذي لُمْتُنَّنِي فيه ، وقطعتُنَّ أيديَكُنَّ بسببه : هو الذي جَعَلَنِي ضالَّةً في هواه ، ثم أقرَّت ٱمرأة العزيزِ للنِّسوة بالمراودة ، وٱستأمنتْ إِليهن في ذلك ؛ إِذْ عَلِمَتْ أَنهنَّ قد عَذَرْنَهَا . و { ٱسَتَعْصَمَ } معناه طلب العِصْمة ، وتمسَّك بها ، وعَصَاني ، ثم جعلَتْ تتوعَّده ، وهو يسمع بقولها . { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ … } إِلى آخر الآية . * ت * : واعترض * ص * : بأنَّ تفسيرُ « ٱستعصم » بـــ « اعتصم » أولى من جعله للطَّلبِ ، إِذ لا يلزم من طلب الشيء حصُولُه . انتهى ، واللام في « لَيُسْجَنَنَّ » : لام قَسَمٍ ، واللام الأولَى هي المؤذنَةُ بالمجيء بالقَسَمِ ، و « الصاغرون » : الأذلاَّء ، وقَوْلُ يوسُفَ عليه السلام : { رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } إِلى قوله : { مِّنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } ، كلامٌ يتضمَّن التشكِّيَ إِلى اللَّه تعالى من حاله معهن ، و { أَصْبُ } : مأخوذ من الصَّبْوَة ، وهي أفعالُ الصِّبا ، ومن ذلك قولُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ : [ الطويل ] @ صَبَا مَا صَبَا حَتَّى عَلاَ الشَّيْبُ رَأْسَه فَلَمَّا عَلاَهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ ٱبْعَدِ @@ قال * ص * : « أصْبُ » معناه : أَمِلْ ، وهو جوابُ الشرطِ ، والصَّبابة : إِفراط الشوْقِ . انتهى . { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } أي : أجابه إِلى إِرادته ، وصَرَفَ عنه كَيْدُهِنَّ ؛ في أنْ حال بيْنَه وبين المَعْصية .