Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-38)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ … } الآية : المعنى : فسجَنُوهُ ، فَدَخَلَ معه السجْنَ ، غلامانِ سُجِنَا أيضاً ، ورُوِيَ أنهما كانا للمَلِكِ الأعظَمِ الوَلِيدِ بْنِ الرَّيَّانِ ؛ أحدهما : خَبَّازه ، وٱسمهُ مجلث ، والآخر : ساقيه ، واسمه نبو ، ورُوِيَ أَنَّ المَلِكَ ٱتهمهما بأن الخَبَّاز منهما أرادَ سَمَّه ، ووافَقَهُ على ذلك السَّاقِي ، فسجنهما ، قاله السديُّ ، فلما دخل يوسُفُ السجْنَ ، ٱستمالَ الناسَ فيه بحُسْن حديثه وفَضْله ونبله ، وكان يُسَلِّي حزينهم ، ويعودُ مريضَهُمْ ، ويسأل لفقيرِهِمْ ، ويندُبُهُمْ إِلى الخيرِ ، فأَحبه الفَتَيَانِ ، ولزماه ، وأحبه صاحِبُ السجْنِ ، والقَيِّم عليه ، وكان يوسُفُ عليه السلام قد قال لأَهْلِ السجْنِ : إِني أَعْبُرُ الرؤيا ، وأَجيدُ ، فرُوِيَ عن ابن مسعودٍ : أن الفتَيَيْنِ ٱستعْمَلاَ هاتَيْنِ المنَامَتَيْنِ ليجرِّباه . وروي عن مجاهدٍ : أَنهما رأيا ذلك حقيقةً ، قال أحدهما : إِني أراني أعصرُ خَمْراً : قيل فيه : إِنه سَمَّى العِنَبَ خمراً ، بالمآلِ ، وقيل : هي لغةُ أزدِ عُمَان ؛ يسمُّون العِنَبَ خَمْراً ، وفي قراءة أُبيٍّ وٱبْنِ مسعودٍ : « أَعْصِرُ عِنَباً » . وقوله : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } : قال الجمهور : يريدان في العِلْم ، وقال الضَّحَّاك وقتادة : المعنى : من المحسنين في جَرْيه مع أهْل السِّجْنِ وإِجماله معهم . وقوله عزَّ وجلَّ : { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } : رُويَ عن السُّدِّيِّ وابن إِسحاق : أن يوسُفَ عليه السلام لما عَلِمَ شدَّة تعبيرِ مَنَامَةِ الرائي الخُبْزَ ، وأنها تُؤْذِنَ بقتله ، ذهب إِلى غير ذلك من الحديثِ عَسَى أَلاَّ يطالباه بالتعْبير ، فقال لهما ؛ مُعْلِماً بعظيمِ عِلْمِهِ للتعبيرِ : إِنه لا يجيئُكما طعَامٌ في نومكما تَرَيَانِ أَنكما رُزِقْتُمَاهُ إِلاَّ أعلمتكما بتأويلِ ذلك الطَّعَامِ ، أي : بما يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمره في اليقظة قَبْلَ أن يظهر ذلك التأويلُ الذي أُعْلِمُكُما به ، فرُوِيَ أنهما قالا : ومِنْ أينَ لَكَ ما تَدَّعيه مِنَ العِلْمِ ، وأنْتَ لَسْتَ بِكَاهِنٍ ولا منجِّم ؟ ! فقالَ لهما : ذَلِكَ مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ، ثم نهض يُنْحِي لهما على الكُفْر ويقبِّحه ، ويحسِّن الإِيمان باللَّه ، فرُوِيَ أنه قصد بذلك وجْهَيْنِ ؛ أَحدهما : تنسيَتُهما أمْرَ تعبيرِ ما سألا عنْه ؛ إِذ في ذلك النِّذَارةُ بقَتْل أحدهما ، والآخر : الطماعيَةُ في إِيمانهما ؛ ليأخذ المَقْتُولُ بحظِّه من الإِيمان ، وتسلم له آخرته ، وقال ابنُ جُرَيْج : أراد يوسُفُ عليه السلام لا يأتيكما طعامٌ في اليقظة . قال * ع * : فعلى هذا إِنما أعلمهم بأنه يعلم مغيَّباتٍ لا تعلُّق لها برؤْيَا ، وقصد بذلك أحَدَ الوجهَيْنِ المتقدِّمين ، وهذا على ما روي أنه نبىء في السجن فإِخباره كإِخبار عيسَى عليه السلام . وقوله : { تَرَكْتُ } ، مع أنه لم يتشبَّثْ بها جائزٌ صحيحٌ ؛ وذلك أنه أخبر عن تجنّبه من أول بالترك ، وساق لفظ التَّرْك ٱستجلاباً لهما عسَى أن يتركا الترْكَ الحقيقيَّ الذي هو بَعْد الأخْذ في الشيء ، والقَوْمُ المتروكُ ملتهم : المَلِكَ وأتباعه . وقوله : { وَٱتَّبَعْتُ … } الآية : تمَادٍ من يوسُفَ عليه السلام في دعائهما إِلى الملَّة الحنيفيَّة . وقوله : { مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } ، « مِنْ » : هي الزائدةُ المؤكِّدة التي تكونُ مع الجُحُودِ . وقوله : { لاَ يَشْكُرُونَ } : يريد : الشكْرَ التَّامَّ الذي فيه الإِيمانُ باللَّه عزَّ وجلَّ .