Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 15-18)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية : تنبيهٌ على قدرته وعظمته سبحانه ، وتسخيرِ الأشياءِ له ، والطَّعْنِ على الكفَّار التارِكِينَ للسُّجود ، و { مَن } : تَقَعُ على الملائكةِ عموماً ، و « سُجُودُهُمْ » : طوع ، وأما أهْلُ الأرض ، فالمؤمنون داخلُونَ في { مَن } ، وسجودُهم أيضاً طَوْع ، وأما سجودُ الكَفَرة ، فهو الكَرْه ، وذلك على معنيين ، فإِن جعلنا السجُودَ هذه الهيئة المعهودَةَ ، فالمراد من الكَفَرَة مَنْ أسلم ، خَوْفَ سيفِ الإِسلام ؛ كما قاله قتادة ، وإِن جعلنا السُّجود الخضُوعَ والتذلُّل ، حَسَب ما هو في اللغة ، فيدخلُ الكفَّار أجمعون في { مَن } ؛ لأنه ليس من كافرٍ إِلا ويلحقه من التذلُّل وٱلاستكانة لقدرة اللَّه تعالى أنواعٌ أكثر من أنْ تحصَى بحسب رَزَايَاهُ ، وٱعتباراتِهِ . وقوله سبحانه : { وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلأَصَالِ } : إِخبار عن أَنَّ الظِّلال لها سُجُودٌ للَّه تعالى ؛ كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلُهُ } [ النحل : 48 ] ، وقال مجاهد : ظلُّ الكافر يسجُدُ طوعاً ، وهو كاره ورُوِيَ أن الكافر إِذا سَجَد لصنمه ، فإِن ظلَّه يسجُدُ للَّهِ حينئذٍ ، وباقي الآية بيِّن ، ثم مَثَّل الكفَّار والمؤمنين بقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } ، وشبه الكافر بالأعمى ، والكُفْرَ بالظلماتِ ، وشبه المؤمنَ بالبصيرِ ، والإِيمان بالنور . وقوله سبحانه : { قُلِ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } : لفظ عامٌّ يراد به الخصوصُ ؛ كما تقدم ذكره في غير هذا الموضع . وقوله سبحانه : { أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاءِ مَآءً } : يريد به المَطَرَ ، { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } : « الأودية » : ما بين الجبالِ مِنَ ٱلانخفاضِ والخَنَادِقِ ، وقوله : { بِقَدَرِهَا } : يحتمل أنْ يريد بما قُدِّرَ لها من الماءِ ، ويحتمل أنْ يريد بقَدْر ما تحمله على قَدْر صغرها وكِبَرها . * ت * : وقوله : { فَٱحْتَمَلَ } بمعنى : حَمَلَ ، كٱقْتَدَرَ وقَدَرُ . قاله * [ ص ] * . و { ٱلزَّبَدُ } ما يحمله السيْلُ من غُثَاء ونحوه ، و « الرابِي » : المنتفخ الذي قَدْ ربا ، ومنه الرَّبْوَة . وقوله سبحانه : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَـٰعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ } : المعنَى : ومن الأشياء التي توقِدُونَ عليها ابتغاءَ الحُلِيِّ ، وهي الذَهَبُ والفضَّة ، أو ٱبتغاء ٱلاستمتاعِ بها في المرافِقِ ، وهي الحديدُ والرَّصَاصُ والنُّحَاسُ ونحوها من الأشياء التي تُوقِدُونَ عليها ، فأخبر تعالَى أنَّ من هذه أَيضاً إِذا أحمي علَيْها يكونُ لها زَبَدَ مماثِلٌ للزَّبَد الذي يحملُه السَّيْل ، ثم ضرب سبحانه ذلك مثَلاً للحقِّ والباطِلِ ، أي : إِن الماء الذي تشربه الأرْضُ من السيل ، فيقَعُ النفْعُ به هو كالحَقِّ ، والزَّبَد الذي يخمد وينفش ويَذْهَب هو كالبَاطِلِ ، وكذلك ما يخلص من الذَّهَبَ والفضَّة والحديد ونحوه هو كالحَقِّ ، وما يذهَبُ في الدُّخَان هو كالبَاطِلِ . وقوله : { جُفَاءً } : مصدر من قولهم : « أَجْفَأَتِ القدْرُ » إِذا غلَتْ حتى خَرَجَ زَبَدُها وذهب . وقال * ص * : { جُفَاءً } : حال ، أي : مضمحلاًّ متلاشياً ، أبو البقاء : وهمزته منقلبة عن واوٍ ، وقيل : أصل . انتهى . وقوله : { مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } : يريد الخالِصَ من الماء ومِنْ تلك الأحجار . وقوله سبحانه : { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } : ابتداءُ كلامٍ ، و { ٱلْحُسْنَىٰ } : الجنة . { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } : هم الكَفَرة ، و { سُوءُ الحِسَابِ } : هو التقصِّي على المحاسَب ، وأَلاَّ يقع في حسابِهِ من التجاوُزِ شَيْءٌ ؛ قاله شَهْرُ بن حَوْشَبٍ والنَّخَعِيُّ وَفَرْقَدٌ السَبَخِيُّ وغيرهم .